الخلود البقاء إلى غير نهاية ، ويستعمل بمعنى البقاء مدة طويلة . وإذا وصف به عذاب الكافر أريد به المعنى الأول ، أي : البقاء إلى غير نهاية والظاهر أن الضمير في قوله { فِيهَا } يعود إلى اللعنة لأنها هي المذكورة في الجملة . وقيل إنه يعود إلى النار لأن اللعن إبعاد من الرحمة وإيجاب للعقاب والعقاب يكون في النار . وقوله { لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العذاب } أي : أن المقدار الذي استحقوه من العذاب لا يتفاوت بحسب الأوقات شدة وضعفاً ، وإنما هم في عذاب سرمدي أليم ، كما قال - تعالى - { إِنَّ المجرمين فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ . لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } والزيادة في قوله - تعالى - : { فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً } حملها بعض العلماء على معنى استمرار العذاب ، فهي إشارة إلى الخلود فيه لا إلى الزيادة في شدته . وقوله : { خَالِدِينَ فِيهَا } إشارة إلى دوام العذاب وعدم انقطاعه . وقوله : { لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ } إشارة إلى كيفية وشدته .
وقوله : { وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ } أي : لا يمهلون ولا يؤخرون من العذاب كما كانوا يمهلون في الدنيا . من الإِنظار بمعنى التأخير والإِمهال . أو من النظر بمعنى الانتظار يقال : نظرته وانتظرته ، أي : أخرته وأمهلته ومنه قوله - تعالى - : { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ } أو من النظر بمعنى الرؤية ، أي : لا ينظر الله إليهم نظر رحمة ورضا ولطف كما ينظر إلى عباده الصالحين ، لأنهم بكتمانهم للحق ، وكفرهم بالله ، استحقوا ما استحقوا من العذاب المهين . { وَمَا ظَلَمَهُمُ الله ولكن أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } وبذلك تكون الآيات الكريمة قد حذرت الناس بأسلوب تأديبي حكيم من كتمان الحق ، ومن الكفر بالله ، وفتحت أمامهم باب التوبة ليدخلوه بصادق النية ، وصالح العمل ، وتوعدت من يستمر في ضلاله وطغيانه بأقسى أنواع العذاب ، وأغلظ ألوانه .
القول في تأويل قوله تعالى : { خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ }
إن قال لنا قائل : ما الذي نصب خَالِدِينَ فِيهَا ؟ قيل : نصب على الحال من الهاء والميم اللتين في عليهم . وذلك أن معنى قوله : أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ : أولئك يلعنهم الله والملائكة والناس أجمعون خالدين فيها . ولذلك قرأ ذلك : «أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالمَلاَئِكَةُ وَالنّاسِ أجْمَعُون » من قرأه كذلك توجيها منه إلى المعنى الذي وصفت . وذلك وإن كان جائزا في العربية ، فغير جائزة القراءة به لأنه خلاف لمصاحف المسلمين وما جاء به المسلمون من القراءة مستفيضا فيها ، فغير جائز الاعتراض بالشاذّ من القول على ما قد ثبتت حجته بالنقل المستفيض . وأما الهاء والألف اللتان في قوله : فِيهَا فإنهما عائدتان على اللعنة ، والمراد بالكلام ما صار إليه الكافر باللعنة من الله ومن ملائكته ومن الناس والذي صار إليه بها نار جهنم . وأجرى الكلام على اللعنة والمراد بها ما صار إليه الكافر كما قد بينا من نظائر ذلك فيما مضى قبل . كما :
حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، عن أبي العالية : خَالِدِينَ فِيهَا يقول : خالدين في جهنم في اللعنة .
وأما قوله : لا يُخَفّفُ عَنْهُمُ العَذَابُ فإنه خبر من الله تعالى ذكره عن دوام العذاب أبدا من غير توقيت ولا تخفيف ، كما قال تعالى ذكره : وَالّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنّمَ لاَ يُقْضَىَ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلاَ يُخَفّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا وكما قال : كُلّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدّلْنَاهُمْ جُلُودا غَيْرَها .
وأما قوله : وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ فإنه يعني ولا هم ينظرون بمعذرة يعتذرون . كما :
حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، عن أبي العالية : وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ يقول : لا ينظرون فيعتذرون ، كقوله : هَذَا يَوْمُ لاَ يَنْطِقُونَ وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُون .
قوله : { خالدين فيها } تصريح بلازم اللعنة الدائمة فالضمير عائد لجهنم لأنها معروفة من المقام مثل { حتى توارت بالحجاب } [ ص : 32 ] ، { كلا إذا بلغت التراقي } [ القيامة : 26 ] ، ويجوز أن يعود إلى اللعنة ويراد أثرها ولازمها .
وقوله : { لا يخفف عنهم العذاب } أي لأن كفرهم عظيم يصدهم عن خيرات كثيرة بخلاف كفر أهل الكتاب .
والإنظار الإمهال ، نظره نظرة أمهله ، والظاهر أن المراد ولا هم يمهلون في نزول العذاب بهم في الدنيا وهو عذاب القتل إذ لا يقبل منهم إلاّ الإسلام دون الجزية بخلاف أهل الكتاب وهذا كقوله تعالى : { إنا كاشفوا العذاب قليلاً إنكم عائدون ، يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون } [ الدخان : 15 ، 16 ] وهي بطشة يوم بدر . وقيل : { ينظرون } هنا من نظر العين وهو يتعدى بنفسه كما يتعدى بإلى أي لا ينظر الله إليهم يوم القيامة وهو كناية عن الغضب والتحقير .
وجيء بالجملة الاسمية لدلالتها على الثبات والاستقرار بخلاف قوله : { أولئك عليهم لعنة الله } فالمقصود التجدد ليكونوا غير آيسين من التوبة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.