تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ يُنظَرُونَ} (162)

ثم أخبر تعالى عمن كفر به واستمرّ به الحالُ إلى مماته بأن { عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا } أي : في اللعنة التابعة{[3019]} لهم إلى يوم القيامة{[3020]} ثم المصاحبة لهم في نار جهنم التي { لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ } فيها ، أي : لا ينقص عَمَّا هم فيه { وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ } أي : لا يغير{[3021]} عنهم ساعة واحدة ، ولا يفتَّر ، بل هو متواصل دائم ، فنعوذ بالله من ذلك .

وقال أبو العالية وقتادة : إن الكافر يوقف يوم القيامة فيلعنه الله ، ثم تلعنه الملائكة ، ثم يلعنه الناس أجمعون .

فصل : لا خلاف في جواز لعن الكفار ، وقد كان عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، وعمن بعده من الأئمة ، يلعنون الكفرة في القنوت وغيره ؛ فأما الكافر المعين ، فقد ذهب جماعة من العلماء إلى أنه لا يلعن لأنا لا ندري بما يختم له ، واستدل بعضهم بهذه الآية : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } وقالت طائفة أخرى : بل يجوز لعن الكافر المعين . واختار ذلك الفقيه أبو بكر بن العربي المالكي ، ولكنه احتج بحديث فيه ضعف ، واستدل غيره بقوله ، عليه السلام ، في صحيح البخاري في قصة الذي كان يؤتى به سكران فيحده ، فقال رجل : لعنه الله ، ما أكثر ما يؤتى به ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله " {[3022]} قالوا : فعلَّة المنع من لعنه ؛ بأنه يحب الله ورسوله فدل على أن من لا يحب الله ورسوله يلعن ، والله أعلم .


[3019]:في جـ: "الباقية".
[3020]:في أ: "يوم الدين".
[3021]:في جـ، أ، و: "لا يفتر".
[3022]:رواه البخاري في صحيحه برقم (6780) من حديث عمر رضي الله عنه.