قوله تعالَى : " خِالِدِينَ " حالٌ من الضَّمير في " عَلَيْهِمْ " والعاملُ فيها الظرْفُ من قوله " عَلَيْهِمْ " ؛ لأنَّ فيه معنى الاسْتقْرَار لِلَّعْنة ، والخلودُ : اللُّزومُ الطَّويل ، ومنْه قوله تعالى : " أَخْلدَهُ " أي : لَزِمَهُ ، ورَكَنَ إلَيْه .
قال بعضُهُمْ : " خَالِدِينَ فِي اللَّعْنَة " .
وقيلَ : في النَّار ، أُضْمِرَتْ ؛ تفخيماً وتهويلاً ؛ كقوله { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } [ القدر : 1 ] .
والأول أولى ؛ لوجوه{[20]} :
الأول : أَنَّ ردَّ الضَّميرِ [ إلى المَذْكُور السَّابق أَوْلَى مِنْ رَدِّة ، إذَا لم يُذْكَر .
الثاني : أَنَّ حَمْلَ هذا الضَّمِير على اللَّعْنَة ]{[21]} أَكْثَرُ فائدةً ؟ لأنَّ اللَّعْنَ هو الإبْعَادُ مِنَ الثَّوَاب بفِعْل العِقَاب في الآخِرَة ، وإيجادِهِ في الدُّنيا ، فيدخل في اللعن النَّار وزيادةٌ [ فكان حَملُ اللَّفظ عليه أولى ] .
[ الثالث : أن حمل الضمير على اللَّعن يكون حاصلاً في الحال وبعده ، وحمله على النَّار لا يكون حالاً حاصلاً في الحال ، بل لا بدَّ من تأويلٍ ]{[22]} .
قوله تعالى : " يُخَفَّفُ " فيه ثلاثةُ أوجه :
الثاني : أن يكون حالاً من الضَّمير في " خَالِدِينَ " فيكون حالان متداخلان .
الثالث : أن يكون حالاً ثانية من الضَّمير في " عَلَيْهِمْ " ، وكذلك عند من يجيز تعدُّد الحال . وقد منع أبو البقاء هذا الوجه ، بناءً منه على مذهبه في ذلك .
وقوله : " وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ " .
قال مَكِّيٌّ رحمه الله : هو ابتداءٌ وخبرٌ في موضع الحال من الضَّمير في " خالدين " أو من الضَّمير في " عَنْهُمْ " .
اعلم أنه تعالى وصف هذا العذاب بثلاثة أمورٍ :
أحدها : الخلود ، وهو المكث الطَّويل عِنْدنا ، أو المكث الدَّائم عند المعتزلة .
وثانيها : عدم التخفِيفِ ، ومعناه أنّ العذابَ في الأوقاتِ كلِّها متشابهٌ ؛ لا يكون بعضُه أقَلَّ من بَعْضٍ .
فَإِن قيلّ : هذا التَّشْبيهُ مُمْتَنعٌ ؛ لوجوهٍ :
أحدها : أَنَّه إذا تصوَّر حال غيره من شدَّة العذب ، كان ذلك كالتَّخفيف عنه .
وثانيها : أنَّه تعالى يزيد علَيْهِمْ في أقوات ، ثمَّ تنقطع تلْك الزِّيادةُ فيكونُ ذلك تَخفيفاً .
وثالثها : أنه حين يخاطبهم بقوله تعالى : { اخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ }
[ المؤمنون : 108 ] لا نشكُّ أنَّه يزادُ عنْهم في ذلك الوَقْت .
فالجوابُ أَنَّ التفاوتُ في هذه الأمُورِ قليلٌ ، فالمستَغرِقُ في العَذَاب الشّدِيد لا ينْتبه لهذا القدْر القليل منَ التَّفاوتُ ، وهذه الآية تَدُلُّ على دوام العذاب ، وأبديتِه ، فإنَّ الواقعَ في [ محْنَةٍ ] عظيمةٍ [ وشدةٍ ] في الدُّنْيَا ، إذا بُشِّرَ بالخَلاَص ، وقيل له : إنَّك تَخلُصُ من هذه الشِّدَّة بعد أيَّامٍ ، فإنَّه يَفْرَح ويسْهُلُ عليه موقع هذه المحنة .
الصفة الثانية : قوله " وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ " والإنظارُ : هو التأْجيلُ والتأخيرُ ؛ قال سُبحانه { فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ } [ البقرة : 280 ] والمعنى : أن عذابَهُمْ لا يُؤجَّل ، بل يكون حاضراً متَّصِلاً بعذاب مثله ؛ ووجه اتِّصال هذه الآية بها قبلها : أنَّه تعالى لمَّا حّذَّر من كتْمَان الحقِّ بين أن أوَّل ما يجبُ إظهارُهُ ولا يجوزُ كتمانُهُ أمْرُ التوحيدِ ، ووَصَل ذلك بذكْر البُرْهان ، وعلَّم طريقَ النَّظَر ، وهو الفكْرُ في عجائِبِ الصُّنْع ؛ ليعلم أنَّه لاَ بُدَّ منْ فاعل لا يشبهُه شَيْءٍ :
ويحتمل أن يكون من النَّظَرِ ؛ كقوله : { لاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } [ آل عمران : 77 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.