وقوله - سبحانه - : { فانتقمنا مِنْهُمْ فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المكذبين } بيان للعاقبة السيئة التى حاقت بهم بسبب إصرارهم على كفرهم وتقليدهم لآبائهم .
أى : قالوا للرسول هذا القول الذى يدل على إيثارهم الغى على الرشد ، فانتقمنا منهم بأن أخذناهم أخذ عزيز مقتدر ، فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ، ومنهم من خسفنا به الأرض ، ومنهم أغرقنا .
{ فانظر } - أيها العاقل - وتأمل { كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المكذبين } لقد كانت عاقبتهم أن دمرناهم تدميرا .
هذا ، والمتأمل فى هذه الآيات الكريمة ، يراها من أجمع الآيات القرآنية التى حكت الأقوال الباطلة التى تفوه بها المشركون ، وردت عليهم ردا منطقيا حكيما يهدمها من قواعدها .
لقد ذكرت - أولا - أنهم جعلوا الله - تعالى - من عباده جزاء . . . ثم ردت عليهم بأنهم جاحدون لنعم الله ، وأنهم لو كانوا يعقلون لما حكموا هذا الحكم الذى يدل على جهلهم وغفلتهم ، لأنه لو كان الأمر كما ذكروا - على سبيل الفرض والتقدير - لما اختار - سبحانه - لذاته جنس البنات ، وأعطاهم البنين . .
ثم ذكرت - ثانيا - حالهم عندما يبشرون بالأنثى ، وتهكمت بهم حين نسبوا إلى الله { أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الحلية وَهُوَ فِي الخصام غَيْرُ مُبِينٍ } والمقصود بذلك جنس البنات ، ثم ذكرت - ثالثا - أنهم حكموا على الملائكة بأنهم إناث ، وردت عليهم بأن حكمهم هذا ساقط ، لأنهم لم يشهدوا خلقهم حتى يحكموا عليهم هذا الحكم الفاسد ، وأنهم سيجازون على أحكامهم التى لا دليل عليها ، بما يستحقون من عقاب .
ثم ذكرت - رابعا - معاذيرهم التى اعتذروا بها عندما حاصرتهم الحجج الدامغة ، فقد قالوا : { لَوْ شَآءَ الرحمن } فرد - سبحانه - عليهم بقوله : { مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } ، لأن قولهم هذا ما هو إلا لون من ألوان الاحتيال على الحقيقة بالأقوال الساقطة .
ثم ذكرت - خامسا - أنهم فى إصرارهم على كفرهم لم يستندوا إلى دليل عقلى أو نقلى ، وإنما استندوا على شئ واحد هو التقليد لآبائهم فى جهلهم وضلالهم . .
وهكذا ذكر القرآن أقوالهم وشبهاتهم . . ثم رد عليها بما يدحضها . .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذّبِينَ } .
يقول تعالى ذكره : فانتقمنا من هؤلاء المكذّبة رسلها من الأمم الكافرة بربها ، بإحلالنا العقوبة بهم ، فانظر يا محمد كيف كان عقبى أمرهم ، إذ كذّبوا بآيات الله . ويعني بقوله : عاقِبَةُ المُكَذّبِينَ آخر أمر الذين كذّبوا رسل الله إلام صار ، يقول : ألم نهلكهم فنجعلهم عبرة لغيرهم ؟ كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة فانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ المُكَذّبِينَ قال : شرّ والله ، أخذهم بخسف وغرق ، ثم أهلكهم فأدخلهم النار .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم رجع إلى الأمم الخالية، فيها تقديم، ثم قال: {فانتقمنا منهم} بالعذاب.
{فانظر كيف كان عاقبة المكذبين} بالعذاب، يخوف كفار مكة بعذاب الأمم الخالية؛ لئلا يكذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: فانتقمنا من هؤلاء المكذّبة رسلها من الأمم الكافرة بربها، بإحلالنا العقوبة بهم، فانظر يا محمد كيف كان عقبى أمرهم، إذ كذّبوا بآيات الله. ويعني بقوله:"عاقِبَةُ المُكَذّبِينَ" آخر أمر الذين كذّبوا رسل الله إلام صار، يقول: ألم نهلكهم فنجعلهم عبرة لغيرهم؟
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وفي قوله تعالى: {فانتقمنا منهم} الآية وعيد لقريش وضرب مثل بمن سلف من الأمم المعذبة المكذبة بأنبيائها كما كذبت هي بمحمد عليه السلام.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما علم بهذا أن أمرهم وصل إلى العناد المسقط للاحتجاج، سبب عنه قوله موعظة لهذه الأمة وبياناً لما خصها به من الرحمة: {فانتقمنا} أي بما لنا من العظمة التي استحقوا بها {منهم} فأهلكناهم بعذاب الاستئصال، وعظم أثر النقمة بالأمر بالنظر فيها في قوله: {فانظر} أي بسبب التعرف لذلك وبالاستفهام إشارة إلى أن ذلك أمر هو جدير لعظمه بخفاء سببه فقال: {كيف كان عاقبة} أي آخر أمر
{المكذبين} أي إرسالنا فإنهم هلكوا أجمعون، ونجا المؤمنون أجمعون، فليحذر من رد رسالتك من مثل ذلك...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ثم لا يكون إلا التدمير والتنكيل لهذه الجبلة التي لا تريد أن تفتح عينيها لترى، أو تفتح قلبها لتحس، أو تفتح عقلها لتستبين.. وهذا هو مصير ذلك الصنف من الناس يعرضه عليهم لعلهم يتبينون عاقبة الطريق الذي يسلكون...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
النظر في قوله: {فانظر كيف كان عاقبة المكذبين} نظر التفكر والتأمل فيما قصّ الله على رسوله من أخبارهم كقوله تعالى: {قال سننظر أصدقتَ أم كنت من الكاذبين} في سورة النمل (27)، وليس نَظَرَ البصر إذ لم ير النبي حالة الانتقام فيهم. ويجوز أن يكون الخطاب لغير معيَّن، أي لكل من يتأتى منه التأمل.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
من البديهي أنّ مثل هؤلاء الأقوام الطاغين المعاندين، لا يستحقون البقاء، وليست لهم أهليّة الحياة، ولابدّ أن ينزل عذاب الله ليقتلع هذه الأشواك من الطريق ويطهره منها، ولذلك فإنّ آخر آية من هذه الآيات تقول: (فانتقمنا منهم).
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.