التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{فَٱنتَقَمۡنَا مِنۡهُمۡۖ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ} (25)

وقوله - سبحانه - : { فانتقمنا مِنْهُمْ فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المكذبين } بيان للعاقبة السيئة التى حاقت بهم بسبب إصرارهم على كفرهم وتقليدهم لآبائهم .

أى : قالوا للرسول هذا القول الذى يدل على إيثارهم الغى على الرشد ، فانتقمنا منهم بأن أخذناهم أخذ عزيز مقتدر ، فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ، ومنهم من خسفنا به الأرض ، ومنهم أغرقنا .

{ فانظر } - أيها العاقل - وتأمل { كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المكذبين } لقد كانت عاقبتهم أن دمرناهم تدميرا .

هذا ، والمتأمل فى هذه الآيات الكريمة ، يراها من أجمع الآيات القرآنية التى حكت الأقوال الباطلة التى تفوه بها المشركون ، وردت عليهم ردا منطقيا حكيما يهدمها من قواعدها .

لقد ذكرت - أولا - أنهم جعلوا الله - تعالى - من عباده جزاء . . . ثم ردت عليهم بأنهم جاحدون لنعم الله ، وأنهم لو كانوا يعقلون لما حكموا هذا الحكم الذى يدل على جهلهم وغفلتهم ، لأنه لو كان الأمر كما ذكروا - على سبيل الفرض والتقدير - لما اختار - سبحانه - لذاته جنس البنات ، وأعطاهم البنين . .

ثم ذكرت - ثانيا - حالهم عندما يبشرون بالأنثى ، وتهكمت بهم حين نسبوا إلى الله { أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الحلية وَهُوَ فِي الخصام غَيْرُ مُبِينٍ } والمقصود بذلك جنس البنات ، ثم ذكرت - ثالثا - أنهم حكموا على الملائكة بأنهم إناث ، وردت عليهم بأن حكمهم هذا ساقط ، لأنهم لم يشهدوا خلقهم حتى يحكموا عليهم هذا الحكم الفاسد ، وأنهم سيجازون على أحكامهم التى لا دليل عليها ، بما يستحقون من عقاب .

ثم ذكرت - رابعا - معاذيرهم التى اعتذروا بها عندما حاصرتهم الحجج الدامغة ، فقد قالوا : { لَوْ شَآءَ الرحمن } فرد - سبحانه - عليهم بقوله : { مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } ، لأن قولهم هذا ما هو إلا لون من ألوان الاحتيال على الحقيقة بالأقوال الساقطة .

ثم ذكرت - خامسا - أنهم فى إصرارهم على كفرهم لم يستندوا إلى دليل عقلى أو نقلى ، وإنما استندوا على شئ واحد هو التقليد لآبائهم فى جهلهم وضلالهم . .

وهكذا ذكر القرآن أقوالهم وشبهاتهم . . ثم رد عليها بما يدحضها . .