أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِلَّا مَن رَّحِمَ ٱللَّهُۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ} (42)

{ إلا من رحم الله } بالعفو عنه وقبول الشفاعة فيه ، ومحله الرفع على البدل من الواو والنصب على الاستثناء { إنه هو العزيز } لا ينصر منه من أراد تعذيبه . { الرحيم } لمن أراد أن يرحمه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِلَّا مَن رَّحِمَ ٱللَّهُۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ} (42)

الاستثناء بقوله : { إلا من رحم الله } وقع عقب جملتي { لا يغني مولى عن مولى شيئاً ولا هم ينصرون } فحُق بأن يرجع إلى ما يَصلح للاستثناء منه في تينك الجملتين .

ولنا في الجملتين ثلاثة ألفاظ تصلح لأن يستثنى منها وهي { مولى } الأولُ المرفوع بفعل { يغني } ، و { مولى } الثاني المجرورُ بحرف { عن } ، وضميرُ { ولا هم ينصرون } ، فالاستثناء بالنسبة إلى الثلاثة استثناء متصل ، أي إلا من رحمه الله من الموالي ، أي فإنه يأذن أن يُشْفَع فيه ، ويأذَن للشافع بأن يَشْفَعَ كما قال تعالى : { ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذِن له } [ سبإ : 23 ] وقال : { ولا يَشْفعون إلا لمن ارتضى } [ الأنبياء : 28 ] . وفي حديث الشفاعة أنه يقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم « سَلْ تُعْطَه واشفَعْ تُشَفَّع » . والشفاعة : إغناء عن المشفوع فيه . والشفعاء يومئذٍ أولياء للمؤمنين فإن من الشفعاء الملائكَة وقد حكى الله عنهم قولهم للمؤمنين { نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة } [ فصلت : 31 ] .

وقيل هو استثناء منقطع لأن من رحمه الله ليس داخلاً في شيء قبله مما يدل على أهل المحشر ، والمعنى : لكن من رحمه الله لا يحتاج إلى من يُغني عنه أو ينصره وهذا قول الكسائي والفراء .

وأسباب رحمة الله كثيرة مرجعها إلى رضاه عن عبده وذلك سِر يعلمه الله .

وجملة { إنه هو العزيز الرحيم } استئناف بياني هو جوابٌ مجمل عن سؤال سائل عن تعيين من رحمهُ الله ، أي أن الله عزيز لا يُكرهه أحد على العدول عن مراده ، فهو يرحم من يَرحمه بمحض مشيئته وهو رحيم ، أي واسع الرحمة لمن يشاء من عباده على وفق ما جرى به علمه وحكمته ووعدُه . وفي الحديث : « ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء » .