نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ وَأَنَّ ٱللَّهَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (20)

ولما ختم بالحكم عليهم بالجهل ، وكان التقدير كما أرشد إليه ما يأتي من العطف على غير معطوف : فلولا فضل الله عليكم ورحمته بكم لعجل هلاك المحبين لشيوع ذلك بعذاب الدنيا ليكون موصولاً بعذاب الآخرة ، عطف عليه قوله مكرراً التذكير بالمنة بترك المعاجلة حاذفاً الجواب ، منبهاً بالتكرير والحذف على قوة المبالغة وشدة التهويل : { ولولا فضل الله } أي الحائز لجميع الجلال والإكرام { عليكم ورحمته } بكم { وأن } أي ولولا أن { الله } أي الذي له القدرة التامة فسبقت رحمته غضبه { رؤوف } بكم في نصب ما يزيل جهلكم بما يحفظ من سرائركم بإرسال الرسل وإنزال الكتب ونصب الحدود ، الزاجرة عن الجهل ، الحاملة على التقوى ، التي هي ثمرة العلم ، فإن الرأفة كما تقدم في الحج وغيرها تقيم المرؤوف به لأنها ألطف الرحمة وأبلغها على أقوم سنن حتى تحفظ بمسراها في سره ظهور ما يستدعي العفو ، وتارة يكون هذا الحفظ بالقوة بنصب الأدلة ، وتارة يضم إلى ذلك الفعل بخلق الهداية في القلب بما للمرؤوف به من الوصلة بسهولة الانقياد وقوة الاستعداد { رحيم* } بما يثبت لكم من الدرجات على ما منحكم به من ثمرات ذلك الحفظ من الأعمال المرضية ، والجواب محذوف تقديره : لترككم في ظلمات الجهل تعمهون ، فثارت بينكم الفتن حتى تفانيتم ووصلتم إلى العذاب الدائم بعد الهم اللازم .