نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَلَوۡلَآ إِذۡ سَمِعۡتُمُوهُ قُلۡتُم مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبۡحَٰنَكَ هَٰذَا بُهۡتَٰنٌ عَظِيمٞ} (16)

ولما بين فحشه وشناعته ، وقبحه وفظاعته ، عطف على التأديب الأول في قوله { لولا إذ سمعتموه } تأديباً فقال : { ولولا إذ } أي وهلا حين { سمعتموه قلتم } أي حين السماع من غير توقف ولا تلعثم ، وفصل بين آلة التحضيض والقول المحضض عليه بالظرف لأن الظروف تنزل من الشيء منزلة نفسه لوقوعه فيها ، وأنها لا انفكاك لها عنه ، ولأن ذكره منبه على الاهتمام به لوجوب المبادرة إلى المحضض عليه : { ما يكون } أي ما ينبغي وما يصح { لنا أن نتكلم } حقيقة بالنطق ولا مجازاً بالسكوت عن الإنكار { بهذا } أي بمثله في حق أدنى الناس فكيف بمن اختارها العليم الحكيم لصحبة أكمل الخلق ، ثم دللتم على شدة نفرتكم منه بأن وصلتم بهذا النفي قولكم : { سبحانك } تعجباً من أن يخطر بالبال ، في حال من الأحوال .

ولما كان تنزيه الله تعالى في مثل ذلك وإن كان للتعجب إشارة إلى تنزيه المقام الذي وقع فيه التعجب تنزيها عظيماً ، حسن أن يوصل بذلك قوله تعليلاً للتعجب والنفي : { هذا بهتان } أي كذب يبهت من يواجه به ، ويحيره لشدة ما يفعل في القوى الباطنة ، لأنه في غاية الغفلة عنه لكونه أبعد الناس منه ؛ ثم هوله بقوله : { عظيم* } والمراد أن الذي ينبغي للإنسان أولاً أن لا يظن بإخوانه المؤمنين ولا يسمع فيهم إلا خيراً ، فإن غلبه الشيطان وارتسم شيء من ذلك في ذهنه فلا يتكلم به ، ويبادر إلى تكذيبه .