نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{سُورَةٌ أَنزَلۡنَٰهَا وَفَرَضۡنَٰهَا وَأَنزَلۡنَا فِيهَآ ءَايَٰتِۭ بَيِّنَٰتٖ لَّعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ} (1)

{ سورة } أي عظيمة ؛ ثم رغب في امتثال ما فيها مبيناً أن تنوينهاً للتعظيم بقوله : { أنزلناها } أي بما لنا من العظمة وتمام العلم والقدرة { وفرضناها } أي قررناها وقدرناها وأكثرنا فيها من الفروض وأكدناها { وأنزلنا فيها } بشمول علمنا { آيات } من الحدود والأحكام والمواعظ والأمثال وغيرها ، مبرهناً عليها { بينات } لا إشكال فيها رحمة منا لكم ، فمن قبلها دخل في دعوة نبينا صلى الله عليه وسلم التي لقناه إياها في آخر تلك فرحمه خير الراحمين ، ومن أباها ضل فدخل في التبكيت بقولنا

{ ألم تكن آياتي تتلى عليكم }[ المؤمنون : 105 ] ونحوه ، وذلك معنى قوله : { لعلكم تذكرون* } أي لتكونوا - إذا تأملتموها مع ما قبلها من الآيات المرققة والقصص المحذرة - على رجاء - عند من لا يعلم العواقب - من أن تتذكروا ولو نوعاً من التذكر - كما أشار إليه الإدغام - بما ترون فيها من الحكم أن الذي نصبها لكم وفصلها إلى ما ترون لا يترككم سدى ، فتقبلوا على جميع أوامره ، وتنتهوا عن زواجره ، ليغفر لكم ما قصرتم فيه من طاعته ، ويرحمكم بتنويل ما لا وصول لكم إليه إلا برحمته ، وتتذكروا أيضاً بما يبين لكم من الأمور ، ويكشف عنه الغطاء من الأحكام التي أعمت عنها حجب النفوس ، وسترتها ظلمات الأهوية - ما جبل عليه الآدميون ، فتعلموا أن الذي تحبون أن يفعل معكم يحب غيركم أن تفعلوه معه ، والذي تكرهونه من ذلك يكرهه غيركم ، فيكون ذلك حاملاً لكم على النصفة فيثمر الصفاء ، والألفة والوفاء ، فتكونوا من المؤمنين المفلحين الوارثين الداخلين في دعوة البشير النذير بالرحمة .