نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ} (9)

{ وإن } أي والحال أن { ربك } أي الذي أحسن إليك بالإرسال ، وسخر لك قلوب الأصفياء ، وزوى عنك اللد الأشقياء { لهو } .

ولما كان المقام لإنزال الآية القاهرة ، قدم قوله : { العزيز } أي القادر على كل من قسرهم على الإيمان والانتقام منهم { الرحيم* } في أنه لم يعاجلهم بالنقمة ، بل أنزل عليهم الكتاب ترفقاً بهم ، وبياناً لما يرضاه ليقيم به الحجة على من أريد للهوان ، ويقبل بقلوب من يختصه منهم للإيمان ، قال أبو حيان : والمعنى أنه عز في نقمته من الكفار ، ورحم مؤمني كل أمة - انتهى . ومن هنا شرع سبحانه وتعالى في تمثيل آخر الفرقان في إظهار القدرة بالبطش عند النقمة حيث لم يشكر النعمة بأن أبى المدعو الإجابة لدعوة الرسل ، وترك الداعي - عقب الانقياد من الشدائد - التضرع للمرسل ، وقص أخبار الأمم على ما هي عليه بحيث لم يقدر أحد من أهل الكتاب الذين هم بين ظهرانيهم على إنكار شيء من ذلك ، ومن ثم قرع أسماعهم ، أول شيء بقصتهم من فرعون ، وموسى عليه السلام ، فصح قطعاً أن هذا الكتاب جلي الأمر ، على القدر ، ليس بكهانة ، ولا شعر ، كما سيؤكد ذلك عند إظهار النتيجة في آخرها ، بل هو من عند رب العالمين ، على لسان سيد المرسلين ، وصح أن أكثر الخلق مع ذلك هالك وإن قام الدليل . ووضح السبيل . لأن سلك الذكر في قلوبهم شبيه في الضيق بنظم السهم فيما يرمى به ، وصح أنه سبحانه يملي لهم وينعم عليهم بما فيه حياة أديانهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب ، وما فيه حياة أبدانهم بالإيتاء من كل ما يحتاجونه إظهاراً لصفة الرحمة . ثم ينتقم منهم بعد طول المهلة ، وتماديهم في سكرات الغفلة ، كشفاً لصفة العزة ، كل ذلك تسلية له صلى الله عليه وسلم وتخفيفاً عليه وإعلاماً بأنه لا قصور في بيانه ، ولا تقصير لديه .