التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَسَلَٰمٌ عَلَى ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (181)

في الآيات تقرير رباني بأن الله تعالى قد وعد أنبياءه ورسله بالنصر ، وبأن جنده وحزبه هم الغالبون في النهاية . وأمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإعراض عن الكفار وعدم المبالاة بهم واستمهالهم إلى الأمد المحدود المعين في علم الله فسوف يرون تحقيق وعيده . وتساؤل ينطوي على التبكيت والوعيد عما إذا كان الكفار يستعجلون عذاب الله حقا . وتقرير بأن هذا العذاب حينما يقع عليهم فإن صباح وقوعه يكون عليهم سيئا مشؤوما . وتكرار الأمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يعرض عنهم ويمهلهم إلى الأمد المحدود ويؤكد لهم رؤية ما يوعدون به . وتنزيه لله عما يصفه به الكفار وينسبونه إليه وتحية ربانية لرسل الله وتقرير بحمد الله رب العالمين الجدير وحده بذلك .

والآيات كما هو المتبادر جاءت معقبة على ما انتهت إليه الآيات السابقة من إنذار الكفار وخاتمة لفصول المناظرة وخاتمة للسورة معا . وقوة هذه الخاتمة ملموسة نافذة ، شأن كثير من خواتم حكاية مواقف الكفار ومشاهد مناظراتهم مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وقد استهدفت فيما استهدفته توكيد الإنذار الرباني وإثارة الخوف في قلوب الكفار وتطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين وتثبيتهم .

وصيغة الآيات تحتمل أن يكون الإنذار فيها بما سيحدث للكفار في الدنيا ، ويحتمل أن يكون بمصيرهم في الآخرة ، ويحتمل أن يكون بما يكون لهم في الدنيا والآخرة على السواء . وهذا مما تكرر في القرآن ومن شأنه بعث القوة والثقة والثبات والشعور بالاستعلاء والنصر النهائي في نفس النبي وأصحابه من دون ريب . على أن الآيات قد صارت مصداقا لمعجزة ربانية بما تحقق من وعد الله بالنصر الذي تم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين على زعماء المشركين وبصيرورة كلمة الله العليا وكلمة الكافرين السفلى .

وجملة { فتول عنهم حتى حين } مما تكرر معناها بأساليب متنوعة مرت أمثلة منه في السور التي سبق تفسيرها . وهي هنا كما هي في المواضع الأخرى بسبيل التثبيت والتسلية والتطمين بنصر الله الذي وعد بالآيات التالية لها . وليست بقصد الإيعاز للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالانصراف عن إنذارهم ودعوتهم ؛ لأن هذا من مهمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأساسية التي لا يمكن أن ينقطع عنها وتوالي نزول القرآن بذلك مما يؤيد هذا .