التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{صٓۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ذِي ٱلذِّكۡرِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة ص : في السورة حكاية لمواقف الكفار ومعارضتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ، وحمله عليهم . وتذكير لهم بأمثالهم . وفيها سلسلة متعددة الحلقات في قصص الأنبياء دون أقوامهم في معرض التسلية والتذكير والتنويه . وفيها قصة آدم والملائكة وإبليس . وقد تخللها مواعظ وتلقينات بليغة وتقريرات عن مهمة النبي عليه السلام وعموم رسالته .

وفصول السورة وآياتها مترابطة منسجمة ومتوازنة ، مما يدل على وحدة نزولها أو تلاحق فصولها في النزول . وفيها قرائن على صحة ترتيب نزولها وبخاصة بعد سورتي القمر وق .

( 1 ) ذي الذكر : الذي فيه التذكير والذكرى أو ذي الشأن والرفعة .

بسم الله الرحمن الرحيم

{ ص والقرآن ذي الذكر1 } : قال بعض المفسرين في حرف [ ص ] : إنه بسبيل وصف صدق النبي ، وقال بعضهم : من المصادة أو الصد وقال بعضهم : إنه من أسماء الله الحسنى . وقال بعضهم : إنه حرف من نوع الحروف المنفردة التي بدأت بها السور الأخرى للاسترعاء . وهو ما نراه الأوجه ، قد أعقبه قسم بالقرآن ، وهو الأسلوب الذي جرى عليه النظم القرآني في معظم مطالع السور المماثلة . أما جواب القسم فقد تعددت فيه الأقوال . فقيل : إنه الآية الثانية . وقيل : إنه الآية الثالثة . وقيل إنه محذوف تقديره ( إن ما يتلى هو صدق وحق ) وعلى كل حال فالعبارة واضحة بأن القسم في معرض توكيد صدق النبي صلى الله عليه وسلم وكذب الكفار وقبح موقف الاستكبار الذي يقفونه .

والآيات تحكي موقف زعماء الكفار من النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته وما بدا منهم من استكبار عنها واستغراب للدعوة إلى وحدة الإله بخاصة واختصاص النبي عليه السلام من دونهم بالوحي ، ونعتهم إياه بالسحر والكذب والاختلاق وتوصيتهم الناس بالثبات على عقائدهم التي ورثوها عن الآباء ، وتندد بهم وتذكرهم بالأقوام السابقين الكثيرين الذين أهلكهم الله فنادوا واستغاثوا فلم يكن لهم مهرب ولا مغيث . وتتحداهم بأسلوب استنكاري ساخر إذا كان عندهم خزائن رحمة الله حتى يكونوا مطمئنين ، أو إذا كان لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما حتى يستطيعوا أن ينجو من عذاب الله وتنذرهم بالهزيمة في النهاية .

وهي قوية نافذة في ردها وإنذارها وتنديدها وتحديها ، وقد روى المفسرون : أن الآيات نزلت بمناسبة مراجعة رهط من زعماء قريش لأبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم وقولهم له : إن ابن أخيك يشتم آلهتنا ويفعل ويفعل ويقول ويقول : فلو بعثت إليه ؟ فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل فجلس ، فقال له أبو طالب : أي ابن أخي ما بال قومك يشكونك ؟ يزعمون أنك تشتم آلهتهم وتقول وتقول . وأكثروا عليه القول وتكلم رسول الله فقال : يا عم إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها تدين لهم بها العرب ، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية ، ففزعوا لكلمته ولقوله فقالوا : كلمة واحدة ؟ نعم وأبيك عشرا . فقالوا : وما هي ؟ قال : ( لا إله إلا الله ) فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم وهم يقولون : أجعل الآلهة إلها واحدا ! إن هذا لشيء عجاب . فنزلت الآيات . وهذه الرواية ونصها ورد في سياق تفسير الآيات في تفسير ابن كثير عزوا إلى الترمذي والنسائي وابن أبي حاتم وابن جرير ، والمفسرون الآخرون يشيرون إلى نزولها في هذه المناسبة مع بعض التغاير ، وعلى كل حال فإن مضمون الآيات يلهم أنها نزلت في مناسبة مشهد من مشاهد الجدل والحجاج بين النبي صلى الله عليه وسلم وبعض زعماء الكفار .

ولقد انطوى فيها تلقينات جليلة مستمرة المدى ، منها تقبيح الممارة في الحق اندفاعا وراء الهوى واعتدادا بالنفس وتعمدا للشقاق والمعارضة ، ومنها تقبيح التمسك بالتقاليد الموروثة على علاتها ، ومنها إيجاب مقابلة كل فكرة أو دعوة جديدة بالتدبر والتروي واتباع ما يكون فيه حق وخير وصلاح مهما كان مغايرا للقديم .