معاني القرآن للفراء - الفراء  
{يَدۡعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُۥ وَمَا لَا يَنفَعُهُۥۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلَٰلُ ٱلۡبَعِيدُ} (12)

وقوله : { يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ 12 } يعني الأصنام .

ثم قال : { يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ 13 } فجاء التفسير : يَدْعو من ضَرّه أقرب منْ نفعه . وقد حالت اللامُ بينهما . وكذلك هي في قراءة عَبد الله ( يَدْعو من ضَرُّه ) ولم نجد العرب تقول ضربت لأَخاك ولا رأيت لزيداً أفضل منكَ . وقد اجتمعت القراء على ذلكَ . فَنُرى أن جَواز ذلك لأن ( مَن ) حَرف لا يتبَيَّن فيه الإعراب ، فأجِيز ب : فاستجيز الاعتراض باللام دون الاسم ؛ إذْ لم يتبَيَّن فيه الإعراب . وذكر عن العرب أنهم قالوا : عندي لَما غيرُه خير منه ، فحالوا باللام دون الرافع . وموقعُ اللام كان ينبغي أن يكون في ( ضَرُّه ) وفي قولكَ : عِنْدي ما لَغيره خَيرٌ منه . فهذا وجه القراءة للاتّباع . وقد يكون قوله : { ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ البَعِيدُ يَدْعُو } فتجعل ( يدعو ) من صِلة ( الضلالُ البعيدُ ) وتضمر في ( يدعو ) الهاء ، ثم تسْتأنِف الكلام باللام ، فتقول ( لمَنْ ضَرُّهُ أقربُ مِن نَفْعِهِ لَبِئسَ المَوْلَي ) كقولك في مذهب الجزاء لَما فعلت لهو خير لك . وهو وجه قويّ في العربيّة .

ووجه آخَر لم يُقرأ به . وذلك أَن تكسر اللام في ( لمن ) وتريد يدعو إلى مَنْ 120 ا ضَرُّه أقرب من نفعه ، فتكون اللام بمنزلة إلى ، كما قال { الحَمْدُ لِلّهِ الذي هَدَانا لِهَذَا } وإِلى هَذَا وأنت قائل في الكلام : دعوت إلى فلانٍ ودعَوت لفلانٍ بمعنىَ واحدٍ . ولولا كراهية خلاف الآثار والاجتماع لكان وَجْها جَيّدا من القراءة . ويكون قوله ( يَدْعو ) التي بعد ( البعيد ) مكرُورة على وقوله { يدعو من دون الله } يدعو مكرّرة ، كما تقول : يدعو يدعو دائبا ، فهذا قوَّه لَمن نَضب اللام ولم يوقع ( يدعو ) على ( مَنْ ) وَالضَّلاَلُ الْبَعيد الطويل .