البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَأَثَٰبَهُمُ ٱللَّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (85)

{ فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين } ظاهره أن الإثابة بما ذكر مترتبة على مجرد القول ، ولا بد أن يقترن بالقول الاعتقاد ويبين أنه مقترن به أنه قال : { مما عرفوا من الحق } فوصفهم بالمعرفة ، فدل على اقتران القول بالعلم ، وقال : { وذلك جزاء المحسنين } فإما أن يكون من وضع الظاهر موضع المضمر تنبيهاً على هذا الوصف بهم ، وأنهم أثيبوا لقيام هذا الوصف بهم ، وهو رتبة الإحسان ، وهي التي فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : « أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك » ولا إخلاص ولا علم أرفع من هذه الرتبة ، وإما أن يكون أريد به العموم فيكونون قد اندرجوا في المحسنين على أن هذه الإثابة لم تترتب على مجرد القول اللفظي ، ولذلك فسره الزمخشري بقوله بما قالوا بما تكلموا به من اعتقاد وإخلاص من قولك : هذا قول فلان أي اعتقاده وما يذهب إليه انتهى .

وفسروا هذا القول بقولهم : { وما لنا لا نؤمن بالله } والذي يظهر أنه عنى به قولهم { يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين } لأنه هو الصريح في إيمانهم ، وأما قوله : { لا نؤمن بالله } فليس فيه تصريح بإيمانهم ، وإنما هو إنكار على انتفاء الإيمان منهم مع قيام موجبه ، فلا تترتب عليه الإثابة .

وقرأ الحسن { فآتاهم } من الإيتاء بمعنى الإعطاء لا من الإثابة ، والإثابة أبلغ من الإعطاء ، لأنه يلزم أن يكون عن عمل بخلاف الإعطاء ، فإنه لا يلزم أن يكون عن عمل ولذلك جاء أخيراً { وذلك جزاء المحسنين } نبه على أن تلك الإثابة هي جزاء ، والجزاء لا يكون إلا عن عمل