قوله تعالى : { فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُواْ } [ المائدة : 85 ] .
وقرأ الحسن{[12464]} : " فآتاهُمُ اللَّهُ " : من آتاه كذا ، أي : أعطاهُ ، والقراءةُ الشهيرةُ أوْلَى ؛ لأنَّ الإثابةَ فيها مَنْبَهَةٌ على أنَّ ذلك لأجْلِ عملٍ ؛ بخلاف الإيتاء ؛ فإنه يكونُ على عملٍ وعلى غيره ، وقوله تعالى : " جَنَّاتٍ " مفعولٌ ثانٍ ل " أثَابَهُمْ " ، أو ل " آتَاهُمْ " على حسبِ القراءتَيْنِ . و{ تجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ } في محلِّ نصبٍ صفةً ل " جَنَّاتٍ " . و " خَالِدِينَ " حالٌ مقدرةٌ .
فإن قيل : ظَاهِرُ الآيَةِ يَدُلُّ على أنَّهُم إنَّما اسْتَحَقُّوا ذلك الثَّوابَ بمُجَرَّدِ القوْلِ ؛ لأنَّهُ - تعالى - قال : { فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ } ، وذَلِكَ غير مُمْكِن ؛ لأنَّ مُجَرَّدَ القَوْلِ لا يُفيدُ الثَّوَابَ .
الأوَّلُ : أنَّهُ قد سَبَقَ من وَصْفِهِم مَا يدلُّ على إخلاصِهِمْ فيما قالوا وهُو المعرفَةُ ، وذلك قوله - تعالى - : { مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ } ، وكُلَّما حصلتِ المعْرِفَةُ والإخْلاصُ وكمَال الانْقِيَادِ ، ثُمَّ انْضَافَ إليْه القَوْلُ ، لا جَرَمَ كمل الإيمان .
الثاني : روى عطاءُ عن ابْن عبَّاس - رضي الله تعالى عنهما - أنَّه قال : قوله - تعالى - : " بِمَا قَالُوا " يُرِيدُ بما سَألُوا ، يعني قولهُمْ : " فاكتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِين " {[12465]} .
دَلَّتِ الآيَةُ على أنَّ المُؤمِنَ الفَاسِقَ لا يُخَلَّدُ في النَّارِ من وجْهَيْن :
أحدهما : أنَّهُ - تعالى - قال : { وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ } ، وهذا الإحْسَانُ لا بُدَّ وأنْ يكُونَ هُوَ الذي تقدَّم ذِكْرُه من المَعْرِفَةِ ، وهُوَ قوله - تعالى - : { مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ } ، ومِنَ الإقْرَارِ به ، وهو قولُهُ - تعالى - : { فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُواْ } ، وإذا كَانَ كَذَلِك فإمَّا أنْ يُقال : إنَّ هذه الآيَةُ دالَّةٌ على أنَّ المعرفة ، وهُوَ إقرارٌ يوجِبُ هذا الثَّواب ، وصاحبُ الكَبِيرَةِ لَهُ هذه المعْرِفَةُ وهذا الإقْرَارُ ، فوجَبَ أن يَحْصُلَ لَهُ هذا الثَّوابُ ، فإمَّا أنْ يُنقل من الجَنَّةِ إلى النَّارِ ، وهذا بَاطِلٌ بالإجْمَاع ، أو يُقَال : يُعاقَبُ على ذَنْبِهِ ، ثمَّ يُنْقَلُ إلى الجَنَّةِ ، وهُوَ المَطْلُوب .
الثاني : أنَّهُ - تعالى - قال : { وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } ، فقولُهُ تعالى : { أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } يُفِيدُ الحصر ، أي : أولَئِكَ أصْحَابُ الجحيمِ لا غَيْرهِم ، والمُصَاحِبُ للشَّيءِ المُلازِم له الذي لا يَنْفَكُّ عَنْهُ ، وهذا يقتضي تَخْصِيصُ الكُفَّارِ بالدَّوَام .
قوله تعالى : " وذَلِكَ جَزَاءُ " مبتدأ وخبرٌ ، وأُشِيرَ ب " ذَلِكَ " إلى الثواب أو الإيتاء ، و " المُحْسنين " يُحتمل أن يكون من باب إقامةِ الظاهرِ مُقامَ المضمرِ ، والأصل : " وذَلِكَ جَزَاؤهُمْ " ، وإنما ذُكِر وصفُهم الشريفُ مَنْبَهَةً على أن هذه الخَصْلَةَ محصِّلة جزائِهِمْ بالخَيْرِ ، ويُحْتَمَلُ أن يرادَ كلُّ مُحْسِنٍ ، فيندرجُون اندراجاً أوليًّا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.