تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَن كَانَ ذَا مَالٖ وَبَنِينَ} (14)

وقوله : { أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ } يقول تعالى : هذا مقابلة ما أنعم الله عليه من المال والبنين ، كفر بآيات الله وأعرض عنها ، وزعم أنها كَذب مأخوذ من أساطير الأولين ، كقوله : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالا مَمْدُودًا وَبَنِينَ شُهُودًا وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلا إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ الْبَشَرِ } قال الله تعالى : { سَأُصْلِيهِ سَقَرَ } [ المدثر : 11 - 26 ] .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَن كَانَ ذَا مَالٖ وَبَنِينَ} (14)

واختلفت القراءة في قوله : { أن كان ذا مال } . فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي ، وحفص عن عاصم ، وأهل المدينة : «أن كان » على الخبر ، وقرأ حمزة : «أأن كان » بهمزتين محققتين على الاستفهام ، وقرأ ابن عامر والحسن وابن أبي إسحاق وعاصم وأبو جعفر : «آن كان » على الاستفهام بتسهيل الهمزة الثانية ، والعامل في { أن كان } فعل مضمر تقديره : كفر أو جحد أو عند ، وتفسير هذا الفعل .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَن كَانَ ذَا مَالٖ وَبَنِينَ} (14)

يتعلق قوله : { أن كان ذا مال وبنين } بفعل { قَال } بتقدير لام التعليل محذوفة قبل { أنْ } ، وهو حذف مطرد تعلق بذلك الفعل ظرف هو { إذا تتلى } ومجرور هو { أن كان ذا مال } ، ولا بدع في ذلك وليست { إذا } بشرطية هنا فلا يهولنك قولهم : إن ( مَا ) بعد الشرط لا يعمل فيما قبله ، على أنها لو جعلت شرطية لما امتنع ذلك لأنهم يتوسعون في المجرورات ما لا يتوسعون في غيرها وهذا مجرور باللام المحذوفة .

والمراد : كل من كان ذا مال وبنين من كبراء المشركين كقوله تعالى : { وذَرْني والمكذبين أولِي النعمة } [ المزمل : 11 ] . وقيل : أريد به الوليد بن المغيرة إذ هو الذي اختلق أن يقول في القرآن { أساطير الأولين } وقد علمت ذلك عند تفسير قوله تعالى : { ولا تطِعْ كلّ حلاّف مهين } [ القلم : 10 ] . وكان الوليد بن المغيرة ذا سعة في المال كثير الأبناء وهو المعنيُّ بقوله تعالى : { ذرني ومن خلقتُ وحيداً وجعلتُ له مالاً ممدوداً وبنينَ شهوداً } إلى قوله : { إن هذا إلاّ قول البشر } [ المدثر : 1125 ] . والوجه أن لا يختص هذا الوصف به . وأن يكون تعريضاً به .

والأساطير : جمع أسطورة وهي القصة ، والأسطورة كلمة معربة عن الرومية كما تقدم عند قوله تعالى : { يقول الذين كفروا إن هذا إلاّ أساطير الأولين } في الأنعام ( 25 ) وقوله : { وَإذا قيل لهم ماذا أنزل ربّكم قالوا أساطير الأولين } في سورة النحل ( 24 ) .

وختمت الأوصاف المحذر عن إطاعة أصحابها بوصف التكذيب ليُرجع إلى صفة التكذيب التي انتُقل الأسلوب منها من قوله : { فلا تطع المكذبين } [ القلم : 8 ] .

وقرأ الجمهور { أنْ كان ذا مال } بهمزة واحدة على أنه خبر . وقرأه حمزة وأبو بكر عن عاصم وأبو جعفر بهمزتين مخففتين فهو استفهام إنكاري . وقرأه ابن عامر بهمزة ومَدَّة بجعل الهمزة الثانية ألفاً للتخفيف .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{أَن كَانَ ذَا مَالٖ وَبَنِينَ} (14)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{أن كان} يعني إذا كان {ذا مال وبنين}...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

اختلفت القرّاء في قراءة قوله: "أنْ كانَ"؛ فقرأ ذلك أبو جعفر المدنيّ وحمزة: «أأنْ كانَ ذَا مالٍ» بالاستفهام بهمزتين، وتتوجه قراءة من قرأ ذلك كذلك إلى وجهين:

أحدهما أن يكون مرادا به تقريع هذا الحلاّف المهين، فقيل: ألأن كان هذا الحلاف المهين ذا مال وبنين، إذَا تُتْلَى عَلَيْه آياتُنا قالَ أساطيرُ الأوّلين وهذا أظهر وجهيه. والآخر أن يكون مرادا به: ألأن كان ذا مال وبنين تطيعه، على وجه التوبيخ لمن أطاعه.

وقرأ ذلك بعد سائر قرّاء المدينة والكوفة والبصرة:"أنْ كانَ ذا مال" على وجه الخبر، بغير استفهام بهمزة واحدة، ومعناه إذا قُرئ كذلك: ولا تطع كلّ حلاف مهين، أن كان ذا مال وبنين، كأنه نهاه أن يطيعه من أجل أنه ذو مال وبنين...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

يخبر أن من يتبعه يتبعه لكثرة أمواله وبنيه؛ وذلك أن كثرة المال للإنسان من أحد ما يستدعي قلوب الخلق على تعظيمه، فذكر ما فيه من العيوب والمساوئ، لئلا يستميل قلوب الضعفة إلى نفسه بماله، فيقول: كيف يتبعونه، وهو بهذا الوصف الذي وصفه الله تعالى...

الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :

{أن كان} لأن كان {ذا مال وبنين} يكذب بالقرآن، وهو قوله: {إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين} والمعنى أيجعل مجازاة نعمة الله عليه بالمال والبنين الكفر بآياتنا...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{أَن كَانَ ذَا مَالٍ} متعلق بقوله: {وَلاَ تُطِعْ} يعني ولا تطعه مع هذه المثالب، لأن كان ذا مال. أي: ليساره وحظه من الدنيا. ويجوز أن يتعلق بما بعده على معنى: لكونه متمولاً مستظهراً بالبنين، كذب آياتنا...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان حطام هذه الدنيا كله عرضاً فانياً وظلاً متقلصاً زائلاً، لا يفتخر به بل ولا يلتفت إليه إلا من كان بهذه الأوصاف، فإذا كان أكبر همه ومبلغ علمه أثمر له الترفع على الحقوق والتكبر على العباد قال: {أن} أي لأجل أن {كان} هذا الموصوف {ذا مال} أي مذكور بالكثرة {وبنين} أنعمنا عليه بهما فصار يطاع لأجلهما، فكان بحيث يجب عليه شكرنا بسببهما...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم يعقب على هذه الصفات الذاتيه بموقفه من آيات الله، مع التشنيع بهذا الموقف الذي يجزي به نعمة الله عليه بالمال والبنين: (أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال: أساطير الأولين).. وما أقبح ما يجزي إنسان نعمة الله عليه بالمال والبنين؛ استهزاء بآياته، وسخرية من رسوله، واعتداء على دينه.. وهذه وحدها تعدل كل ما مر من وصف ذميم.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

ويحذّر سبحانه في الآية اللاحقة من الاستجابة لهم والتعامل معهم بسبب كثرة أموالهم وأولادهم: بقوله: (أن كان ذا مال وبنين). وممّا لا شكّ فيه أنّ الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن ليستسلم لهؤلاء أبداً، وهذه الآيات ما هي إلاّ تأكيد على هذا المعنى، كي يكون خطّه الرسالي وطريقته العملية واضحة للجميع، ولن تنفع جميع الإغراءات الماديّة في عدوله عن مهمّته الرسالية. وبناءً على هذا فإنّ الجملة أعلاه تأتي تكملة للآية الكريمة: (ولا تطع كلّ حلاّف مهين). إلاّ أنّ البعض اعتبر ذلك بياناً وعلّة لظهور هذه الصفات السلبية، حيث الغرور الناشئ من الثروة وكثرة الأولاد جرّهم ودفعهم إلى مثل هذه الرذائل الأخلاقية. ولهذا يمكن ملاحظة هذه الصفات في الكثير من الأغنياء والمقتدرين غير المؤمنين. إلاّ أنّ لحن الآيات يتناسب مع التّفسير الأوّل أكثر، ولهذا اختاره أغلب المفسّرين...