مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{أَن كَانَ ذَا مَالٖ وَبَنِينَ} (14)

{ أن كان ذا مال وبنين ، إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين } وفيه مسألتان :

المسألة الأولى : اعلم أن قوله : { أن كان } يجوز أن يكون متعلقا بما قبله وأن يكون متعلقا بما بعده أما ( الأول ) فتقديره : ولا تطع كل حلاف مهين أن كان ذا مال وبنين ، أي لا تطعه مع هذه المثالب ليساره وأولاده وكثرته ، وأما ( الثاني ) فتقديره لأجل أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال : أساطير الأولين ، والمعنى لأجل أن كان ذا مال وبنين جعل مجازاة هذه النعم التي خولها الله له الكفر بآياته قال أبو علي الفارسي : العامل في قوله : { أن كان } إما أن يكون هو قوله : { تتلى } أو قوله { قال } . أو شيئا ثالثا ، والأول باطل لأن { تتلى } قد أضيفت { إذا } إليه والمضاف إليه لا يعمل فيما قبله ألا ترى أنك لا تقول : القتال زيدا حين يأنى تريد حين يأتي زيدا ، ولا يجوز أن يعمل فيه أيضا { قال } لأن { قال } جواب { إذا } ، وحكم الجواب أن يكون بعدما هو جواب له ولا يتقدم عليه ، ولما بطل هذان القسمان علمنا أن العامل فيه شيء ثالث دل ما في الكلام عليه وذلك هو يجحد أو يكفر أو يمسك عن قبول الحق أو نحو ذلك ، وإنما جاز أن يعمل المعنى فيه ، وإن كان متقدما عليه لشبهه بالظرف ، والظرف قد تعمل فيه المعاني وإن تقدم عليها ، ويدلك على مشابهته للظرف تقدير اللام معه ، فإن تقدير الآية : لأن كان ذا مال وإذا صار كالظرف لم يمتنع المعنى من أن يعمل فيه ، كما لم يمتنع من أن يعمل في نحو قوله : { ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد } لما كان ظرفا ، والعامل فيه القسم الدال عليه قوله : { إنكم لفي خلق جديد } فكذلك قوله : { أن كان ذا مال وبنين } تقديره : إنه جحد آياتنا ، لأن كان ذا مال وبنين أو كفر بآياتنا ، لأن كان ذا مال وبنين .

المسألة الثانية : قرئ : { أأن كان } على الاستفهام ، والتقدير : ألأن كان ذال مال كذب ، أو التقدير : أتطيعه لأن كان ذا مال . وروى الزهري عن نافع : إن كان بالكسر ، والشرط للمخاطب ، أي لا تطع كل حلاف شارطا يساره ، لأنه إذا أطاع الكافر لغناه فكأنه اشترط في الطاعة الغنى ، ونظير صرف الشرط إلى المخاطب صرف الترجي إليه في قوله : { لعله يتذكر } .