تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ثُمَّ أَوۡلَىٰ لَكَ فَأَوۡلَىٰٓ} (35)

قال الله تعالى : { أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى } وهذا تهديد ووعيد أكيد منه تعالى للكافر به المتبختر في مشيته ، أي : يحق لك أن تمشي هكذا وقد كفرت بخالقك وبارئك ، كما يقال في مثل هذا على سبيل التهكم والتهديد كقوله : { ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ } [ الدخان : 49 ] . و كقوله : { كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ } [ المرسلات : 46 ] ، وكقوله { فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ } [ الزمر : 15 ] ، وكقوله { اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ } [ فصلت : 40 ] . إلى غير ذلك .

وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان الواسطي ، حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن مهدي - عن إسرائيل ، عن موسى بن أبي عائشة قال : سألت سعيد بن جبير قلت : { أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى } ؟ قال : قاله النبي صلى الله عليه وسلم لأبي جهل ، ثم نزل به القرآن .

وقال أبو عبد الرحمن النسائي : حدثنا إبراهيم بن يعقوب{[29569]} . حدثنا أبو النعمان ، حدثنا أبو عَوَانة - ( ح ) وحدثنا أبو داود : حدثنا محمد بن سليمان{[29570]} . حدثنا أبو عوانة - عن موسى بن أبي عائشة ، عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس : { أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى } ؟ قال : قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم{[29571]} ثم أنزله الله عز وجل{[29572]} .

قال ابن أبي حاتم : وحدثنا أبي ، حدثنا هشام بن خالد ، حدثنا شعيب عن إسحاق ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى } وعيد على أثر وعيد ، كما تسمعون ، وزعموا أن عدو الله أبا جهل أخذ نَبيّ الله بمجامع ثيابه ، ثم قال : " أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى " . فقال عدو الله أبو جهل : أتوعدني يا محمد ؟ والله لا تستطيع أنت ولا ربك شيئا ، وإني لأعز من مشى بين جبليها .


[29569]:- (1) في م، أ، هـ: "يعقوب بن إبراهيم" والمثبت من سنن النسائي الكبرى (11638).
[29570]:- (2) في م: "عن ابن سليمان".
[29571]:- (3) في م: "قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جهل".
[29572]:-(4) سنن النسائي الكبرى برقم (11638).

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ثُمَّ أَوۡلَىٰ لَكَ فَأَوۡلَىٰٓ} (35)

ثم أولى لك فأولى أي يتكرر ذلك عليه مرة بعد أخرى .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ثُمَّ أَوۡلَىٰ لَكَ فَأَوۡلَىٰٓ} (35)

وقوله : { ثم أولى لك فأولى } تأكيد للدعاء عليه ولتأكيده السابق .

وجيء بحرف { ثم } لعطف الجملة دلالة على أن هذا التأكيد ارتقاء في الوعيد ، وتهديد بأشدَّ مما أفاده التهديد الأول وتأكيدُه كقوله تعالى : { كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون } [ التكاثر : 3 ، 4 ] .

وأحسب أن المراد : كُلُّ إنسان كافر كما يقتضيه أول الكلام من قوله { أيحسب الإِنسان أن لن نجمع عظامه } إلى قوله : { بل الإِنسان على نفسه بصيرة } [ القيامة : 3 14 ] ، وما أبو جهل إلاّ مِن أولهم ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم توعده باللفظ الذي أنزله الله تهديداً لأمثاله .

وكلمات المتقدمين في كون الشيء سبب نزول شيء من القرآن كلمات فيها تسامح .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{ثُمَّ أَوۡلَىٰ لَكَ فَأَوۡلَىٰٓ} (35)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 34]

وقوله:"أوْلَى لَكَ فأَوْلَى ثُمّ أوْلَى لَكَ فأَوْلَى "هذا وعيد من الله على وعيد لأبي جهل عن قتادة، قال: أخذ النبيّ صلى الله عليه وسلم بيده، يعني بيد أبي جهل، فقال: أوْلَى لَكَ فأَوْلَى ثُمّ أوْلَى لكَ فأَوْلَى فقال: يا محمد ما تستطيع أنت وربك فيّ شيئا، إني لأعزّ من مشى بين جبليها فلما كان يوم بدر أشرف عليهم فقال: لا يُعبد الله بعد هذا اليوم، وضرب الله عنقه، وقتله شرّ قِتلة.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 34]

قال أهل التأويل: هذا وعيد على وعيد؛ كأنه قال: ويل لك فويل، ثم ويل لك فويل؛ ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بجميع ثيابه، وقال له هذا، فلم يتهيأ لذلك المسكين لأن يدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نفسه، وكان يفتخر بكثرة أنصاره، أنه أعز من يمشي بين الجبلين. والله تعالى بلطفه أذله، وأهانه، حتى لم يتهيأ له الحراك مما نزل به، ولا نفعته قواه وكثرة أتباعه.

وجائز أن يكون قوله: {أولى لك فأولى} أي لأجدر بك أن تنظر في ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وفي الذي كان عليه آباؤك ليظهر لك الصواب من الخطأ والحق من الباطل، فتتبع الصواب من ذلك. فتتجهز به شرف الدنيا والآخرة، إذ كان يفتخر بشرفه وعزه؛ فإن أردت أن يدوم لك الشرف، فالأولى لك أن تنظر إلى ما ذكرنا، فتبع الصواب من ذلك.

والثاني: أن العرب كانت عادتها أن تقوم بنصر قبيلتها، وتذب عنها: كانت ظالمة في ذلك أو لم تكن ظالمة في ذلك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان من قبيلة أبي جهل. فلو كان على غير حق عنده كان الأولى به أن ينصره ويعينه على ما عليه عادة العرب، وإن كان محقا فهو أولى. فترك ما هو أولى من النصر والحماية.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 34]

العَربُ إذا دَعَتْ على أحدٍ بالمكروه قالوا: {أَوْلَى لَكَ} وهنا أتبع اللفظَ اللفظَ على سبيل المبالغة. ويقال: معناه الويلُ لَكَ يومَ تَحيا. والويلُ لكَ يوم تَموت، والويلُ لكَ يومَ تُبْعَث، والويلُ لكَ يومَ تدخل النار.

معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي 516 هـ :

{أولى لك فأولى} هذا وعيد على وعيد من الله عز وجل لأبي جهل، وهي كلمة موضوعة للتهديد والوعيد. وقال بعض العلماء: معناه أنك أجدر بهذا العذاب وأحق وأولى به.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 34]

وهذا تهديد ووعيد أكيد منه تعالى للكافر به المتبختر في مشيته، أي: يحق لك أن تمشي هكذا وقد كفرت بخالقك وبارئك، كما يقال في مثل هذا على سبيل التهكم والتهديد كقوله: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ}.