اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ثُمَّ أَوۡلَىٰ لَكَ فَأَوۡلَىٰٓ} (35)

قوله : { أولى لَكَ فأولى } تقدم الكلام عليه في أول سورة القتال ، وإنما كررها هنا مبالغة في التهديد والوعيد ، فهو تهديد بعد تهديد ووعيد بعد وعيد ؛ قالت الخنساء : [ المتقارب ]

5013 - هَمَمْتُ بنَفْسِيَ كُلَّ الهُمومِ*** فأولَى لِنفْسِيَ أوْلَى لَهَا{[58760]}

وقال أبو البقاء هنا : «وزن » أولى فيه قولان :

أحدهما : «فَعْلَى » والألف فيه للإلحاق لا للتأنيث .

والثاني : هو «أفعل » ، وهو على القولين هنا «علمٌ » ، ولذلك لم ينون ، ويدل عليه ما حكى أبو زيد في «النوادر » : هو أولاة - بالتاء - غير مصروف ، لأنه صار علماً للوعيد ، فصار كرجل اسمه أحمد ، فعلى هذا يكون أولى مبتدأ ، و «لك » الخبر .

والثاني : أن يكون اسماً للفعل مبنياً ، ومعناه : وليك شر بعد شر ، و «لك » تبيين .

فصل في نزول الآية

قال قتادة ومقاتل والكلبي : «خَرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنَ المَسْجدِ ذَاتَ لَيْلةٍ فاسْتقَبلهُ أبُو جَهْل على بَابِ المَسْجدِ ممَّا يلي باب بني مَخْزُوم ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ، فهزه مرة أو مرتين ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أوْلَى لَكَ فأوْلَى ، ثُمَّ أوْلَى لَكَ فأوْلَى " فقال أبو جهلٍ : أتُهدِّدنِي ؟ فواللَّهِ إنِّي لأعزُّ أهل هذا الوَادِي وأكْرمهُ ، ولا تَسْتطِيعُ أنْتَ ولا ربُّكَ أن تَفْعَلا بِي شَيْئاً ثُمَّ انسَلَّ ذَاهِباً » ، فأنزل الله - تعالى - كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام{[58761]} .

ومعنى أوْلَى لَكَ يعني ويل لك ؛ قال الشاعر : [ الوافر ]

5014 - فأوْلَى ثُمَّ أوْلَى ثُمَّ أوْلَى*** وهَلْ لِلدَّرِّ يُحْلَبُ مِنْ مَرَدِّ ؟{[58762]}

وقيل : هو من المقلوب ، كأنه قيل : «ويل » ثم أخر الحرف المعتل ، والمعنى : الويل لك يوم تدخل النار ؛ وهذا التكرير كقوله : [ الطويل ]

5015 - . . . *** لَكَ الوَيْلاتُ إنَّكَ مُرْجِلِي{[58763]}

أي لك الويل ثم الويل .

وقيل : معناه الذم لك أولى من تركه .

وقيل : المعنى أنت أولى وأجدر بهذا العذاب .

وقال أبو العباس أحمد بن يحيى : قال الأصمعي «أولى » في كلام العرب معناه مقاربة الهلاك كما تقول : قد وليت الهلاك ، أي دانيت الهلاك ، وأصله من «الولي » وهو القرب ، قال تعالى : { قَاتِلُواْ الذين يَلُونَكُمْ } [ التوبة : 123 ] أي : يقربون منكم .

قال القرطبي : «وقيل : التكرير فيه على معنى من ألزم لك على عملك السيئ الأول ثم الثاني والثالث والرابع » .


[58760]:ينظر ديوانها ص 83، وابن الشجري 1/243، 2/325، والخصائص 3/44، ومجمع البيان 10/605، 841.
[58761]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/351) عن قتادة. وذكره القرطبي "تفسيره" (19/74).
[58762]:تقدم.
[58763]:تقدم.