تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَقَالَ مُوسَىٰٓ إِن تَكۡفُرُوٓاْ أَنتُمۡ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ} (8)

وقوله تعالى : { وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ } أي : هو غني عن شكر عباده ، وهو الحميد المحمود ، وإن كفره من كفره ، كما قال : { إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ } [ الزمر : 7 ] وقال تعالى : { فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } [ التغابن : 6 ] .

وفي صحيح مسلم ، عن أبي ذر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه ، عز وجل ، أنه قال : " يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم وجنكم ، كانوا على أتقى قلب رجل منكم ، ما زاد ذلك في ملكي شيئا . يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم وجنكم ، كانوا على أفجر قلب رجل منكم ، ما نقص ذلك في{[15758]} ملكي شيئا . يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم وجنكم ، قاموا في صعيد واحد ، فسألوني ، فأعطيت كل إنسان مسألته ، ما نقص ذلك من ملكي شيئًا ، إلا كما ينقُص المخْيَط إذا أدخل في البحر " . فسبحانه وتعالى الغني الحميد{[15759]} .


[15758]:- في ت، أ : "من".
[15759]:- صحيح مسلم برقم (2577).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَقَالَ مُوسَىٰٓ إِن تَكۡفُرُوٓاْ أَنتُمۡ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ} (8)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالَ مُوسَىَ إِن تَكْفُرُوَاْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأرْضِ جَمِيعاً فَإِنّ اللّهَ لَغَنِيّ حَمِيدٌ } .

يقول تعالى ذكره : وَقالَ مُوسَى لقومه : إنْ تَكْفُرُوا أيها القوم ، فتجحدوا نعمة الله التي أنعمها عليكم أنتم ، ويفعل في ذلك مثل فعلكم مَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعا فإنّ اللّهَ لَغَنِيّ عنكم وعنهم من جميع خلقه ، لا حاجة به إلى شكركم إياه على نعمه عند جميعكم ، حَمِيدٌ ذو حمد إلى خلقه بما أنعم به عليهم . كما :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن هاشم ، قال : أخبرنا سيف ، عن أبي رَوق عن أبي أيوب ، عن عليّ : فإنّ اللّهَ لَغَنِيّ قال : غنيّ عن خلقه ، حَمِيدٌ قال : مستحمِد إليهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَقَالَ مُوسَىٰٓ إِن تَكۡفُرُوٓاْ أَنتُمۡ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ} (8)

أعيد فعل القول في عطف بعض كلام موسى عليه السلام على بعض لِئَلا يتوهّم أن هذا مما تأذّن به الرب وإنما هو تنبيه على كلام الله . وفي إعادة فِعل القول اهتمام بهذه الجملة وتنويه بها حتى تبرز مستقلة وحتى يصغي إليها السامعون للقرآن .

ووجه الاهتمام بها أن أكثر الكفار يحسبون أنهم يحسنون إلى الله بإيمانهم ، وأن أنبياءهم حين يلحّون عليهم بالإيمان إنما يبتغون بذلك تعزيز جانبهم والحرصَ على مصحلتهم . فلمّا وعدهم على الشكر بالزيادة وأوعدهم على الكفر بالعقوبة خشي أن يحسبوا ذلك لانتقام المثيب بما أثاب عليه ، ولتضرّره مما عاقب عليه ، فنبّههم إلى هذا الخاطر الشيطاني حتى لا يسري إلى نفوسهم فيكسبهم إدْلاَلاً بالإيمان والشكر والإقلاع عن الكفر .

و { أنتم } فصل بين المعطوف والمعطوف عليه إذ كان هذا المعطوف عليه ضميراً متّصلاً .

و { جميعاً } تأكيد لمن في الأرض للتنصيص على العموم . وتقدم نظيره ونصبه غيرَ بعيد .

والغنيّ : الذي لا حاجة له في شيء ، فدخل في عموم غناه أنه غني عن الذين يكفرون به .

والحميد : المحمود . والمعنى : أنه محمود من غيركم مستغن عن حمدكم ؛ على أنهم لو كفروا به لكانوا حامدين بلسان حالهم كرهاً ، فإنّ كل نعمة تنالهم فيحمدونها فإنما يحمدون الله تعالى ، كقوله تعالى : { ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً } [ سورة الرعد : 15 ] . وهذه الآية تضمنت ما في الفقرات ( 30 إلى 33 ) من الإصحاح ( 32 ) من سفر الخروج } .