تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ كَانَتۡ لَهُمۡ جَنَّـٰتُ ٱلۡفِرۡدَوۡسِ نُزُلًا} (107)

يخبر تعالى عن عباده السعداء ، وهم الذين آمنوا بالله ورسوله ، وصدقوهم فيما جاؤوا به بأن لهم جنات الفردوس .

قال مجاهد : الفردوس هو : البستان بالرومية .

وقال كعب ، والسدي ، والضحاك : هو البستان الذي فيه شجر الأعناب .

وقال أبو أمامة{[18572]} الفردوس : سرة{[18573]} الجنة .

وقال قتادة : الفردوس : ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها .

وقد روي هذا مرفوعًا من حديث سعيد بن بشير{[18574]} ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سَمُرَة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " الفردوس{[18575]} ربوة الجنة ، أوسطها وأحسنها " {[18576]} وهكذا رواه إسماعيل بن مسلم ، عن الحسن ، عن سمرة مرفوعًا . وروي عن قتادة ، عن أنس بن مالك مرفوعًا بنحوه . وقد نقله{[18577]} ابن جرير ، رحمه الله{[18578]}

وفي الصحيحين : " إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس ، فإنه أعلى الجنة وأوسط{[18579]} الجنة ، ومنه تُفَجَّرُ أنهار الجنة " {[18580]}

وقوله : { نزلا } أي ضيافة ، فإن النزل هو الضيافة .


[18572]:في ت: "أسامة".
[18573]:في ت: "شجرة".
[18574]:في ف، أ: "بشر".
[18575]:في ت: "والفردوس".
[18576]:رواه الطبراني في المعجم الكبير (7/213) من طريق أبى الجماهر، عن سعيد بن بشير به.
[18577]:في أ: "ذكر ذلك كله".
[18578]:تفسير الطبري (16/30) ورواه الترمذي في السنن برقم (3174) من طريق روح بن عبادة، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس، رضي الله عنه، وقال: "هذا حديث حسن صحيح".
[18579]:في ت: "وأوسطه".
[18580]:صحيح البخاري برقم (7423).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ كَانَتۡ لَهُمۡ جَنَّـٰتُ ٱلۡفِرۡدَوۡسِ نُزُلًا} (107)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً * خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً } .

يقول تعالى ذكره : إن الذين صدقوا بالله ورسوله ، وأقرّوا بتوحيد الله وما أنزل من كتبه وعملوا بطاعته ، كانت لهم بساتين الفردوس ، والفردوس : معظم الجنة ، كما قال أمية :

كانَتْ مَنازِلُهُمْ إذْ ذاكَ ظاهِرَةً *** فِيها الفَراديسُ والفُومانُ والبَصَلُ

واختلف أهل التأويل في معنى الفردوس فقال بعضهم : عنى به أفضل الجنة وأوسطها . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا عباس بن الوليد ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة ، قال : الفردوس : رَبوة الجنة وأوسطها وأفضلها .

حدثنا أحمد بن سريج الرازي ، قال : حدثنا الهيثم أبو بشر ، قال : أخبرنا الفرج بن فضالة ، عن لقمان ، عن عامر ، قال : سئل أبو أسامة عن الفردوس ، فقال : هي سرّة الجنة .

حدثنا أحمد بن أبي سريج ، قال : حدثنا حماد بن عمرو النصيبي ، عن أبي عليّ ، عن كعب ، قال : ليس في الجنان جنة أعلى من جنة الفردوس ، وفيها الاَمرون بالمعروف ، والناهون عن المنكر .

وقال آخرون : هو البستان بالرومية . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ بن سهل الرملي ، قال : حدثنا حجاج عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير ، عن مجاهد ، قال : الفردوس : بستان بالرومية .

حدثنا العباس بن محمد ، قال : حدثنا حجاج ، قال : ابن جريج : أخبرني عبد الله عن مجاهد ، مثله .

وقال آخرون : هو البستان الذي فيه الأعناب . ذكر من قال ذلك :

حدثنا عباس بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن عبيد ، عن الأعمش ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحارث ، عن كعب ، قال : جنات الفردوس التي فيها الأعناب .

والصواب من القول في ذلك ، ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وذلك ما :

حدثنا به أحمد بن أبي سريج ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا همام بن يحيى ، قال : حدثنا زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن عبادة بن الصامت ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «الجَنّةُ مِئَةُ دَرَجَةٍ ، ما بينَ كُلّ دَرَجَتَينِ مَسِيرَةُ عامٍ والفِرْدَوْسُ أعْلاها دَرَجَةً ، وَمِنْها الأنهَارُ الأرْبَعَةُ ، والفِرْدَوْسُ مِنْ فَوْقِها ، فإذَا سألْتُمُ اللّهَ فاسألُوهُ الفِرْدَوْسَ » .

حدثنا موسى بن سهل ، قال : حدثنا موسى بن داود ، قال : حدثنا همام بن يحيى ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن عُبادة بن الصامت ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «الجَنّةُ مِئَةُ دَرَجَةٍ ما بينَ كُلّ دَرَجَتَينِ كمَا بينَ السّماءِ والأرْضِ ، أعْلاها الفِرْدَوْسُ ، ومِنْها تُفَجّر أنهَارُ الجَنّةِ الأرْبَعَةُ ، فإذَا سألْتُمُ اللّهَ فاسألُوهُ الفِرْدَوْسَ » .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني أبو يحيى بن سليمان ، عن هلال بن أسامة ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة ، أو أبي سعيد الخُدريّ ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «إذَا سألْتُمُ اللّهَ فاسألُوهُ الفِرْدَوْسَ ، فإنّها أوْسَطُ الجَنّةِ وأعْلَى الجَنّةِ ، وَفَوْقَها عَرْشُ الرّحْمنِ تَبارَكَ وَتَعالى ، ومِنْهُ تَفَجّرُ أنهارُ الجَنّةِ » .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا أبو عامر ، قال : حدثنا فليح ، عن هلال ، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مثله ، إلا أنه قال : «وَسَطُ الجَنّةِ » وقالَ أيضا : «وَمِنهُ تُفَجّرُ أو تَتَفَجّرُ » .

حدثني عمار بن بكار الكلاعي ، قال : حدثنا يحيى بن صالح ، قال : حدثنا عبد العزيز بن محمد ، قال : حدثنا زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن معاذ بن جبل ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إنّ فِي الجَنّةِ مِئَةَ دَرَجَةٍ ، ما بينَ كُلّ دَرَجَتَينِ كمَا بينَ السّماءِ والأرْضِ ، والفِرْدَوْسُ أعْلَى الجنّةِ وأوْسَطُها ، وفَوْقُها عَرْشُ الرّحْمنِ ، ومِنْها تَفَجّر أنهَارُ الجَنّةِ ، فإذَا سألْتُمُ الله فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ » .

حدثنا أحمد بن منصور ، قال : حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، قال : حدثنا الحارث بن عمير ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «جَنّاتُ الفِرْدَوْسِ أرْبَعَةٌ ، اثْنَتانِ مِنْ ذَهَبٍ حِلْيَتُهُما وآنِيَتُهُما ، وَما فِيهِما مِنْ شَيْءٍ ، وَاثْنَتانِ مِنْ فِضّةٍ حِلْيَتُهُما وآنِيَتُهُما ، وَما فِيهِما مِنْ شَيْءٍ » .

حدثنا أحمد بن أبي سريج ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا أبو قدامة ، عن أبي عمران الجوني ، عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «جَنّاتُ الفِرْدَوْسِ أرْبَعٌ : ثِنْتانِ مِنْ ذَهَبٍ حِلْيَتهُما وآنِيَتُهُما وَما فِيهِما ، وَثِنْتانِ مِنْ فِضّةٍ حِلْيَتُهُما وآنِيَتُهُما وَما فِيهِما » .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن حفص ، عن شمر ، قال : خلق الله جنة الفردوس بيده ، فهو يفتحها في كلّ يوم خميس ، فيقول : ازدادي طيبا لأوليائي ، ازدادي حسنا لأوليائي .

حدثنا ابن البرقيّ ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : أخبرنا محمد بن جعفر وابن الدراورديّ ، قالا : حدثنا زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن معاذ بن جبل ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ للْجَنّةِ مِئَةَ دَرَجَةٍ ، كُلّ دَرَجَةٍ مِنْها كَمَا بينَ السّماءِ والأرْضِ ، أعْلَى دَرَجَةً مِنْها الفِرْدَوْسُ » .

حدثني أحمد بن يحيى الصوفيّ ، قال : حدثنا أحمد بن الفرج الطائيّ ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سَمُرة بن جُنْدَب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الفِرْدَوْسُ مِنْ رَبْوَةِ الجَنّةِ ، هِيَ أوْسَطُها وأحْسَنُها » .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، قال : أنبأنا إسماعيل بن مسلم ، عن الحسن ، عن سمرة بن جندب ، قال : أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أنّ الفِرْدَوْسَ هِيَ أعْلَى الجَنّةِ وأحْسَنُها وأرْفَعُها » .

حدثني محمد بن مرزوق ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ، قال للربيع ابنة النضر : «يا أُمّ حارثَةَ ، إنّها جِنانٌ ، وإنّ ابْنَكِ أصَابَ الفِرْدَوْسَ الأعْلَى » . والفردوس : ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها .

وقوله : نُزُلاً يقول : منازل ومساكن ، والمنزل : من النزول ، وهو من نزول بعض الناس على بعض . وأما النّزْل : فهو الرّيْع ، يقال : ما لطعامكم هذا نَزْل ، يراد به الرّيْع ، وما وجدنا عندكم نزلاً : أي نزولاً .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ كَانَتۡ لَهُمۡ جَنَّـٰتُ ٱلۡفِرۡدَوۡسِ نُزُلًا} (107)

هذا مقابل قوله : { إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلاً } على عادة القرآن في ذكر البشارة بعد الإنذار .

وتأكيد الجملة للاهتمام بها لأنها جاءت في مقابلة جملة { إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا ، } وهي مؤكدة كي لا يظن ظانّ أن جزاء المؤمنين غير مهتم بتأكيده مع ما في التأكيديْن من تقوية الإنذار وتقوية البشارة .

وجعل المسند إليه الموصولَ بصلة الإيمان وعمل الصالحات للاهتمام بشأن أعمالهم ، فلذلك خولف نظم الجملة التي تقابلها فلم يقل : جزاؤهم الجنّة . وقد تقدّم نظير هذا الأسلوب في المخالف بين وصف الجزاءَين عند قوله تعالى في هذه السورة : { إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها } [ الكهف : 29 ] } ثم قوله : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً } [ الكهف : 30 ] .

وفي الإتيان ب { فَكانت } دلالة على أن استحقاقهم الجنّات أمر مستقر من قبل مهيّأ لهم .

وجيء بلام الاستحقاق تكريماً لهم بأنهم نالوا الجنة باستحقاق إيمانهم وعملهم . كما قال تعالى : { وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون } [ الزخرف : 72 ] .

وجمع الجنّات إيماء إلى سعة نعيمهم ، وأنها جنان كثيرة كما جاء في الحديث : « إنها جنان كثيرة » .

والفردوس : البستان الجامع لكل ما يكون في البساتين ، وعن مجاهد هو معرّب عن الرومية . وقيل عن السريانية . وقال الفراء : هو عربي ، أي ليس معرباً . ولم يرد ذكره في كلام العرب قبل القرآن . وأهل الشام يقولون للبساتين والكروم : الفراديس . وفي مدينة حلب باب يسمّى باب الفراديس .

وإضافة الجنات إلى الفردوس بيانية ، أي جنات هي من صنف الفردوس . وورد في الحديث أن الفردوس أعلى الجنّة أو وسط الجنّة . وذلك إطلاق آخر على هذا المكان المخصوص يرجع إلى أنه علم بالغلبة .

فإن حُملت هذه الآية عليه كانت إضافة { جنات } إلى { الفردوس } إضافة حقيقية ، أي جنات هذا المكان .

والنزُل : تقدم قريباً .