اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ كَانَتۡ لَهُمۡ جَنَّـٰتُ ٱلۡفِرۡدَوۡسِ نُزُلًا} (107)

قوله تعالى : { إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات } الآية .

لما ذكر وعيد الكفَّار ، ونزلهم ، أتبعه بوعيدِ المؤمنين ونزلهم . قال قتادة : الفِرْدَوس : وسطُ الجنَّة ، وأفضلها .

وعن كعبٍ : ليس في الجنانِ أعلى من جنَّة الفردوس ، وفيها الآمرون بالمعروف ، والنَّاهون عن المنكر .

وعن مجاهدٍ : الفردوسُ : هو البستان ، بالرومية .

وقال عكرمة : هو الجنَّة بلسان الحبش .

وقال الزجاج : هو بالروميَّة منقولٌ إلى لفظ العربيَّة .

وقال الضحاك : هي الجنَّة الملتفَّة الأشجارِ{[21359]} .

وقيل : هي التي تنبت ضروباً من النَّبات .

وقيل : الفردوس : الجنَّة من الكرم خاصَّة .

وقيل : ما كان عاليها كرماً .

وقيل : كلُّ ما حُوِّط عليه ، فهو فردوس .

وقال المبرِّد : الفردوس فيما سمعتُ من العرب : الشَّجرُ الملتفُّ ، والأغلب عليه : أن يكون من العنب ، واختلفوا فيه :

فقيل : هو عربيٌّ ، وقيل : هو أعجميٌّ ، وقيل : هو روميٌّ ، أو فارسيٌّ ، أو سرياني ، قيل : ولم يسمعْ في كلام العرب إلاَّ في قول{[21360]} حسَّان : [ الطويل ]

وإنَّ ثَوابَ الله كُلَّ مُوحِّدٍ *** جِنَانٌ من الفِرْدوس فيهَا يُخُلَّدُ{[21361]}

وهذا ليس بصحيح ؛ لأنَّه سمع في شعر أميَّة بن أبي الصَّلت : [ البسيط ]

كَانَتْ مَنازِلهُمْ إذ ذَاكَ ظَاهِرةً *** فيهَا الفَراديسُ ثمَّ الثُّومُ والبَصَلُ{[21362]}

ويقال : كرمٌ مفردسٌ ، أي : معرِّش ، ولهذا سمِّيت الروضة التي دون اليمامةِ فردوساً .

وإضافة جنَّاتٍ إلى الفردوس إضافة تبيينٍ ، وجمعه فراديسُ ؛ قال - عليه الصلاة والسلام- : " في الجنَّة مائةُ درجةٍ ما بَيْنَ كلِّ درجةٍ مسيرةُ مائة عام ، والفِردوسُ أعلاها درجةً ، وفيها الأنهارُ الأربعة ، والفِرْدَوسُ من فَوْقِهَا ، فإذا سَألتمُ الله تعالى ، فاسْألُوهُ الفِرْدوسَ ؛ فإنَّ فوقها عَرْشُ الرَّحمنِ ، ومِنْهَا تُفجَّرُ أنهارُ الجنَّة " {[21363]} .

قوله : " نُزُلاً " : فيه ما تقدَّم : من كونه اسم مكان النزول ، أو ما يعدُّ للضَّيف ، وفي نصبه وجهان :

أحدهما : أنه خبر " كَانَتْ " و " لهُمْ " متعلقٌ بمحذوفٍ على أنَّه حال من " نُزلاً " أو على البيان ، أو ب " كَانَتْ " عند من يرى ذلك .

والثاني : أنه حالٌ من " جنَّات " أي : ذوات نُزُلٍ ، والخبر الجارُّ .

وإذا قلنا بأنَّ النُّزل هو ما يهيَّأ للنَّازل ، فالمعنى : كانت لهم ثمارٌ جنَّات الفردوس ، ونعيمها نزلاً ، ومعنى " كَانتْ لَهُمْ " أي : في علم الله قبل أن يخلقوا .


[21359]:ذكر هذه الآثار البغوي في تفسيره 3/186.
[21360]:في ب: بيت.
[21361]:ينظر البيت في البحر المحيط 6/159، الأشموني 2/288، الشذور 134، الهمع 2/95، الدرر 2/128، الدر المصون 4/488.
[21362]:ينظر: ديوانه (61) ، والبحر المحيط 6/159، والطبري 16/29، والقرطبي 11/36، وروح المعاني 16/50، والدر المصون 4/488.
[21363]:أخرجه البخاري (6/14) كتاب الجهاد: باب درجات المجاهدين حديث (2790) والترمذي (4/583) كتاب صفة الجنة باب ما جاء في صفات درجات الجنة حديث (2531) من حديث أبي هريرة.