إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ كَانَتۡ لَهُمۡ جَنَّـٰتُ ٱلۡفِرۡدَوۡسِ نُزُلًا} (107)

{ إِنَّ الذين آمَنُواْ } بيانٌ بطريق الوعدِ لمآل الذين اتصفوا بأضداد ما اتصف به الكفرةُ إثرَ بيانِ ما لهم بطريق الوعيد ، أي آمنوا بآيات ربِّهم ولقائه { وَعَمِلُواْ الصالحات } من الأعمال { كَانَتْ لَهُمْ } فيما سبق من حكم الله تعالى ووعدِه ، وفيه إيماءٌ إلى أن أثرَ الرحمةِ يصل إليهم بمقتضى الرأفةِ الأزليةِ بخلاف ما مر من جعل جهنم للكافرين نزلاً ، فإنه بموجب ما حدث من سوء اختيارِهم { جنات الفردوس } عن مجاهد : أن الفردوسَ هو البستانُ بالرومية ، وقال عكرمة : هو الجنةُ بالحبشية ، وقال الضحاك : هو الجنة الملتفّةُ الأشجار ، وقيل : هي الجنةُ التي تُنبتُ ضروباً من النبات ، وقيل : هي الجنةُ من الكرم خاصة ، وقيل : ما كان غالبة كَرْماً ، وقال المبرد : هو فيما سمعتُ من العرب للشجر الملتفِّ والأغلب عليه أن يكون من العنب ، وعن كعب : أنه ليس في الجنان أعلى من جنة الفردوس وفيها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر . وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم : « في الجنة مائةُ درجةٍ ما بين كلِّ درجةٍ مسيرةُ مائة عام ، والفردوسُ أعلاها وفيها الأنهارُ الأربعةُ فإذا سألتم الله تعالى فاسألوه الفِردوسَ فإن فوقه عرشَ الرحمن ومنه تفجّر أنهار الجنة » { نُزُلاً } خبرُ كانت والجار والمجرور متعلقٌ بمحذوف على أنه حالٌ من نزلاً ، أو على أنه بيانٌ أو حالٌ من جنات الفردوس والخبرُ هو الجارُّ والمجرورُ فإن جعل النزول بمعنى ما يُهيَّأ للنازل فالمعنى كانت لهم ثمارُ جناتِ الفردوس نزلاً ، أو جُعلت نفسُ الجنّات نزلاً مبالغةً في الإكرام ، وفيه إيذانٌ بأنها عند ما أعد الله لهم على ما جرى على لسان النبوة من قوله : « أَعْدَدْتُ لعباديَ الصالحين ما لا عينٌ رأتُ ، ولا أُذنٌ سمِعتْ ولا خطرَ على قلب بشر » بمنزلة النزلِ بالنسبة إلى الضيافة ، وإن جُعل بمعنى المنْزِل فالمعنى ظاهر .