تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ لِلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُوٓاْ أَنَحۡنُ صَدَدۡنَٰكُمۡ عَنِ ٱلۡهُدَىٰ بَعۡدَ إِذۡ جَآءَكُمۖ بَلۡ كُنتُم مُّجۡرِمِينَ} (32)

فقال لهم القادة والسادة ، وهم الذين استكبروا : { أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ } أي : نحن ما فعلنا بكم{[24349]} أكثر من أنَّا دعوناكم فاتبعتمونا من غير{[24350]} دليل ولا برهان ، وخالفتم الأدلة والبراهين والحجج التي جاءت بها الأنبياء ، لشهوتكم واختياركم لذلك ؛ ولهذا قالوا : { بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ } .


[24349]:- في س ، أ: "بكم ذلك".
[24350]:- في ت ، س ، أ: "بغير".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ لِلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُوٓاْ أَنَحۡنُ صَدَدۡنَٰكُمۡ عَنِ ٱلۡهُدَىٰ بَعۡدَ إِذۡ جَآءَكُمۖ بَلۡ كُنتُم مُّجۡرِمِينَ} (32)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ الّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ لِلّذِينَ اسْتُضْعِفُوَاْ أَنَحْنُ صَدَدنَاكُمْ عَنِ الْهُدَىَ بَعْدَ إِذْ جَآءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مّجْرِمِينَ } .

يقول تعالى ذكره : قالَ الّذِينَ اسْتَكْبَرُوا في الدنيا ، فرأسوا في الضلالة والكفر بالله لِلّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فيها فكانوا أتباعا لأهل الضلالة منهم ، إذ قالوا لهم لَوْلا أنْتُمْ لَكُنّا مُؤْمِنِينَ أَنحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الهُدَى ومنعناكم من اتباع الحقّ بَعْدَ إذْ جاءَكُمْ من عند الله ، يبين لكم بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ فمنعكم إيثاركم الكفر بالله على الإيمان من اتباع الهدى ، والإيمان بالله ورسوله .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ لِلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُوٓاْ أَنَحۡنُ صَدَدۡنَٰكُمۡ عَنِ ٱلۡهُدَىٰ بَعۡدَ إِذۡ جَآءَكُمۖ بَلۡ كُنتُم مُّجۡرِمِينَ} (32)

جُرِّد فعل { قال } عن العاطف لأنه جاء على طريقة المجاوبة والشأنْ فيه حكاية القول بدون عطف كما بيّناه غير مرة .

وهمزة الاستفهام مستعملة في الإِنكار على قول المستضعفين تبرّؤا منه . وهذا الإِنكار بهتان وإنكار للواقع بعثه فيهم خوف إلقاء التبعة عليهم وفرط الغضب والحسرة من انتقاض أتباعهم عليهم وزوال حرمتهم بيْنهم فلم يتمالكوا أن لا يكذبوهم ويذيلوا بتوريطهم .

وأتى بالمسند إليه قبل المسند الفعلي في سياق الاستفهام الإِنكاري الذي هو في قوة النفي ليفيد تخصيص المسند إليه بالخبر الفعلي على طريقة : ما أنا قلت هذا .

والمعنى : ما صددناكم ولكن صدكم شيء آخر وهو المعطوف ب { بل } التي للإِبطال بقوله : { بل كنتم مجرمين } أي ثبت لكم الإِجرام من قبل وإجرامكم هو الذي صدّكم إذ لم تكونوا على مقاربة الإِيمان فنصدكم عنه ولكنكم صددتم وأعرضتم بإجرامكم ولم تقبلوا دعوة الإِيمان .

وحاصل المعنى : أن حالنا وحالكم سواء ، كل فريق يتحمل تبعة أعماله فإن كلا الفريقين كان مُعْرِضاً عن الإِيمان . وهذا الاستدلال مكابرة منهم وبهتان وسفسطة فإنهم كانوا يصدون الدهماء عن الدين ويختلقون لهم المعاذير . وإنما نفوا هنا أن يكونوا محوِّلين لهم عن الإِيمان بعد تقلده وليس ذلك هو المدَّعَى . فموقع السفسطة هو قولهم : { بعد إذ جاءكم } لأن المجيء فيه مستعمل في معنى الاقتراب منه والمخالطة له .

و { إذ } في قوله : { إذ جاءكم } مجردة عن معنى الظرفية ومحضة لكونها اسم زمان غير ظرف وهو أصل وضعها كما تقدم في قوله تعالى : { وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة } في سورة البقرة ( 30 ) ، ولهذا صحت إضافة بعد } إليها لأن الإِضافة قرينة على تجريد { إذ } من معنى الظرفية إلى مطلق الزمان مثل قولهم : حينئذٍ ويومئذٍ . والتقدير : بعد زمن مجيئه إياكم . و { بل } إضراب إبطال عن الأمر الذي دخل عليه الاستفهام الإِنكاري ، أي ما صددناكم بل كنتم مجرمين .

والإِجرام : الشرك وهو مؤذن بتعمدهم إياه وتصميمهم عليه على بصيرة من أنفسهم دون تسويل مسوّل .