تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَلَّا تَتَّبِعَنِۖ أَفَعَصَيۡتَ أَمۡرِي} (93)

يقول مخبرًا عن موسى ، عليه السلام ، حين رجع إلى قومه ، فرأى ما قد حدث فيهم من الأمر العظيم ، فامتلأ عند ذلك غيظًا ، {[19478]} وألقى ما كان في يده من الألواح الإلهية ، وأخذ برأس أخيه يجره إليه ، وقد قدمنا في " الأعراف " بسط ذلك ، وذكرنا هناك حديث " ليس الخبر كالمعاينة " .

وشرع يلوم أخاه{[19479]} هارون فقال : { مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلا تَتَّبِعَنِ } أي : فتخبرني بهذا الأمر أول ما وقع { أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي } أي : فيما كنت تقدمت إليك ، وهو قوله : { اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ } [ الأعراف : 142 ] .


[19478]:في ف: "غضبا".
[19479]:في ف: "أخوه".

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَلَّا تَتَّبِعَنِۖ أَفَعَصَيۡتَ أَمۡرِي} (93)

" ألا تتبعني " ، واختلف أهل التأويل في المعنى الذي عذل موسى عليه أخاه من تركه اتباعه ، فقال بعضهم : عذله على تركه السير بمن أطاعه في أثره على ما كان عهد إليه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن حكيم بن جبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : لما قال القوم : " لَنْ نَبرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حتى يَرْجِعَ إلَيْنا مُوسَى " أقام هارون فيمن تبعه من المسلمين ممن لم يُفتتن ، وأقام من يعبد العجل على عبادة العجل ، وتخوّف هارون إن سار بمن معه من المسلمين أن يقول له موسى : " فَرّقْتَ بينَ بَني إسْرَائِيلَ ولَمْ تَرْقُبْ قَوْلي " وكان له هائبا مطيعا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " ما مَنَعَكَ إذْ رأيْتَهُمْ ضَلّوا ألاّ تَتّبِعَنِ " قال : تدعهم .

وقال آخرون : بل عذله على تركه أن يصلح ما كان من فساد القوم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قوله : " ما مَنَعَكَ إذْ رأيْتَهُمْ ضَلّوا ألاّ تَتّبِعَنِ " قال : أمر موسى هارون أن يصلح ، ولا يتبع سبيل المفسدين ، فذلك قوله : " أنْ لا تَتّبِعَنِ أفَعَصَيْتَ أمْرِي " بذلك ،

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَلَّا تَتَّبِعَنِۖ أَفَعَصَيۡتَ أَمۡرِي} (93)

وقرأ الجمهور «تتبعن » بحذف الياء ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وبإثباتها في الوصل ويقف ابن كثير بالياء وأبو عمرو بغير الياء . ويحتمل قوله { ألا تتبعن } أي بني إسرائيل نحو جبل الطور فيجيء اعتذار هارون أي لو فعلت ذلك مشت معي طائفة وأقامت طائفة على عبادة العجل فيتفرق الجمع فخفت لومك على التفرق ، ويحتمل قوله { ألا تتبعن } أي لا تسير بسيري وعلى طريقتي في الإصلاح والتسديد ويجيء اعتذار هارون بمعنى أن الأمر كان متفاقماً فلو تقويت عليه وقع القتال واختلاف الكلمة فكان تفريقاً بين بني إسرائيل وإنما لاينت جهدي .

وقوله تعالى : { ألا تتبعن } بمعنى ما منعك أن تتبعني ، واختلف الناس في وجه دخول «لا » فقالت فرقة هي زائدة ، وذهب حذاق النحاة إلى أنها مؤكدة وأن في الكلام فعلاً مقدراً كأنه قال ما منعك ذلك أو حضك أو نحو هذا على «أن لا تتبعن » وما قبل وما بعد يدل على هذا ويقتضيه .