البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أَلَّا تَتَّبِعَنِۖ أَفَعَصَيۡتَ أَمۡرِي} (93)

{ أفعصيت أمري } يريد قوله { اخلفني } الآية .

وقال الزمخشري : ما منعك أن تتبعني في الغضب لله وشدّة الزجر على الكفر والمعاصي ، وهلا قاتلت من كفر بمن آمن وما لك لم تباشر الأمر كما كنت أباشره أنا لو كنت شاهداً ، أو ما لك لم تلحقني .

وفي ذلك تحميل للفظ ما لا يحتمله وتكثير ولما كان قوله تتبعني لم يذكر متعلقه كان الظاهر أن لا تتبعني إلى جبل الطور ببني إسرائيل فيجيء اعتذار هارون بقوله { إني خشيت أن تقول فرّقت بين بني إسرائيل } إذ كان لا يتبعه إلاّ المؤمنون ويبقى عباد العجل عاكفين عليه كما قالوا { لن نبرح عليه عاكفين } ويحتمل أن يكون المعنى تتبعني تسير بسيري في الإصلاح والتسديد ، فيجيء اعتذاره أن الأمر تفاقم فلو تقويت عليه تقاتلوا واختلفوا فكان تفريقاً بينهم وإنما لاينت جهدي .

وقرأ عيسى بن سليمان الحجازي بِلَحْيَتِي بفتح اللام وهي لغة أهل الحجاز .

وكان موسى عليه السلام شديد الغضب لله ولدينه ، ولما رأى قومه عبدوا عجلاً من دون الله بعد ما شاهدوا من الآيات العظام لم يتمالك أن أقبل على أخيه قابضاً على شعر رأسه ، وكان كثير الشعر وعلى شعر وجهه يجره إليه فأبدى عذره فإنه لو قاتل بعضهم ببعض لتفرقوا وتفانوا ، فانتظرتك لتكون المتدارك لهم ، وخشيت عتابك على اطراح ما وصيتني به والعمل بموجبها .