الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{أَلَّا تَتَّبِعَنِۖ أَفَعَصَيۡتَ أَمۡرِي} (93)

قوله تعالى : " ولقد قال لهم هارون من قبل " أي من قبل أن يأتي موسى ويرجع إليهم " يا قوم إنما فتنتم به " أي ابتليتم وأضللتم به ، أي بالعجل . " وإن ربكم الرحمن " لا العجل . " فاتبعوني " في عبادته . " وأطيعوا أمري " لا أمر السامري . أو فاتبعوني في مسيري إلى موسى ودعوا العجل .

فعصوه و " قالوا لن نبرح عليه عاكفين " أي لن نزال مقيمين على عبادة العجل . " حتى يرجع إلينا موسى " فينظر هل يعبده كما عبدناه ، فتوهموا أن موسى يعبد العجل ، فاعتزلهم هارون في اثني عشر ألفا من الذين{[11155]} لم يعبدوا العجل ، فلما رجع موسى وسمع الصياح والجلبة وكانوا يرقصون حول العجل قال لسبعين معه هذا صوت الفتنة ، فلما رأى هارون أخذ شعر رأسه بيمينه ولحيته بشماله غضبا و " قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا " أي أخطؤوا الطريق وكفروا . " ألا تتبعن " " لا " زائدة أي أن تتبع أمري ووصيتي . وقيل : ما منعك عن اتباعي في الإنكار عليهم . وقيل : معناه هلا قاتلتهم إذ قد علمت أني لو كنت بينهم لقاتلتهم على كفرهم . وقيل : ما منعك من اللحوق بي لما فتنوا . " أفعصيت أمري " يريد أن مقامك بينهم وقد عبدوا غير الله تعالى عصيان منك لي ، قاله ابن عباس . وقيل : معناه هلا فارقتهم فتكون مفارقتك إياهم تقريعا لهم وزجرا . ومعنى : " أفعصيت أمري " قيل : إن أمره ما حكاه الله تعالى عنه " وقال موسى لأخيه هارون أخلفني في قومي وأصلح ولا متبع سبيل المفسدين " {[11156]} [ الأعراف 142 ] ، فلما أقام معهم ولم يبالغ في منعهم والإنكار عليهم نسبه إلى عصيانه ومخالفة أمره .

مسألة : وهذا كله أصل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتغييره ومفارقة أهله ، وأن المقيم بينهم لا سيما إذا كان راضيا حكمه كحكمهم . وقد تقدم . وسئل الإمام أبو بكر الطرطوشي رحمه الله : ما يقول سيدنا الفقيه في مذهب الصوفية ؟ وأُعْلِم - حرس الله مدته - أنه اجتمع جماعة من رجال ، فيكثرون من ذكر الله تعالى ، وذكر محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم إنهم يوقعون بالقضيب على شيء من الأديم ، ويقوم بعضهم يرقص ويتواجد حتى يقع مغشيا عليه ، ويحضرون شيئا يأكلونه . هل الحضور معهم جائز أم لا ؟ أفتونا مأجورين ، وهذا القول الذي يذكرونه :

يا شيخُ كفَّ عن الذنوبْ *** قبل التفرق والزَّلَلْ

واعمل لنفسك صالحا *** ما دام ينفعك العملْ

أما الشبابُ فقد مضى *** ومشيبُ رأسك قد نزلْ

وفي مثل هذا نحوه{[11157]} . الجواب - يرحمك الله - مذهب الصوفية بطالة وجهالة وضلالة ، وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة رسوله ، وأما الرقص والتواجد فأول من أحدثه أصحاب السامري ، لما اتخذ لهم عجلا جسدا له خوار قاموا يرقصون حواليه ويتواجدون ، فهو دين الكفار وعباد العجل ، وأما القضيب فأول من اتخذه الزنادقة ليشغلوا به المسلمين عن كتاب الله تعالى ، وإنما كان يجلس النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه كأنما على رؤوسهم الطير من الوقار ، فينبغي للسلطان ونوابه أن يمنعهم عن الحضور في المساجد وغيرها ، ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم ، ولا يعينهم على باطلهم ، هذا مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة المسلمين وبالله التوفيق .

قوله تعالى : " ولقد قال لهم هارون من قبل " أي من قبل أن يأتي موسى ويرجع إليهم " يا قوم إنما فتنتم به " أي ابتليتم وأضللتم به ، أي بالعجل . " وإن ربكم الرحمن " لا العجل . " فاتبعوني " في عبادته . " وأطيعوا أمري " لا أمر السامري . أو فاتبعوني في مسيري إلى موسى ودعوا العجل .

فعصوه و " قالوا لن نبرح عليه عاكفين " أي لن نزال مقيمين على عبادة العجل . " حتى يرجع إلينا موسى " فينظر هل يعبده كما عبدناه ، فتوهموا أن موسى يعبد العجل ، فاعتزلهم هارون في اثني عشر ألفا من الذين{[1]} لم يعبدوا العجل ، فلما رجع موسى وسمع الصياح والجلبة وكانوا يرقصون حول العجل قال لسبعين معه هذا صوت الفتنة ، فلما رأى هارون أخذ شعر رأسه بيمينه ولحيته بشماله غضبا و " قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا " أي أخطؤوا الطريق وكفروا . " ألا تتبعن " " لا " زائدة أي أن تتبع أمري ووصيتي . وقيل : ما منعك عن اتباعي في الإنكار عليهم . وقيل : معناه هلا قاتلتهم إذ قد علمت أني لو كنت بينهم لقاتلتهم على كفرهم . وقيل : ما منعك من اللحوق بي لما فتنوا . " أفعصيت أمري " يريد أن مقامك بينهم وقد عبدوا غير الله تعالى عصيان منك لي ، قاله ابن عباس . وقيل : معناه هلا فارقتهم فتكون مفارقتك إياهم تقريعا لهم وزجرا . ومعنى : " أفعصيت أمري " قيل : إن أمره ما حكاه الله تعالى عنه " وقال موسى لأخيه هارون أخلفني في قومي وأصلح ولا متبع سبيل المفسدين " {[2]} [ الأعراف 142 ] ، فلما أقام معهم ولم يبالغ في منعهم والإنكار عليهم نسبه إلى عصيانه ومخالفة أمره .

مسألة : وهذا كله أصل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتغييره ومفارقة أهله ، وأن المقيم بينهم لا سيما إذا كان راضيا حكمه كحكمهم . وقد تقدم . وسئل الإمام أبو بكر الطرطوشي رحمه الله : ما يقول سيدنا الفقيه في مذهب الصوفية ؟ وأُعْلِم - حرس الله مدته - أنه اجتمع جماعة من رجال ، فيكثرون من ذكر الله تعالى ، وذكر محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم إنهم يوقعون بالقضيب على شيء من الأديم ، ويقوم بعضهم يرقص ويتواجد حتى يقع مغشيا عليه ، ويحضرون شيئا يأكلونه . هل الحضور معهم جائز أم لا ؟ أفتونا مأجورين ، وهذا القول الذي يذكرونه :

يا شيخُ كفَّ عن الذنوبْ *** قبل التفرق والزَّلَلْ

واعمل لنفسك صالحا *** ما دام ينفعك العملْ

أما الشبابُ فقد مضى *** ومشيبُ رأسك قد نزلْ

وفي مثل هذا نحوه{[3]} . الجواب - يرحمك الله - مذهب الصوفية بطالة وجهالة وضلالة ، وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة رسوله ، وأما الرقص والتواجد فأول من أحدثه أصحاب السامري ، لما اتخذ لهم عجلا جسدا له خوار قاموا يرقصون حواليه ويتواجدون ، فهو دين الكفار وعباد العجل ، وأما القضيب فأول من اتخذه الزنادقة ليشغلوا به المسلمين عن كتاب الله تعالى ، وإنما كان يجلس النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه كأنما على رؤوسهم الطير من الوقار ، فينبغي للسلطان ونوابه أن يمنعهم عن الحضور في المساجد وغيرها ، ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم ، ولا يعينهم على باطلهم ، هذا مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة المسلمين وبالله التوفيق .


[11155]:كذا في ب وجـ وط وي. والذي في أ: من الذين.
[11156]:راجع جـ 7 ص 77.
[11157]:في ب و جـ و ط وك: وجوه.

[1]:لعله عمرو بن مرة المذكور في سند الحديث (انظر ابن ماجه ج 1 ص 139 وسنن أبي داود ج 1 ص 77 طبع مصر).
[2]:في بعض النسخ: "أبي قاسم"
[3]:في بعض النسخ: "المسيي".