تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٖ قَالُواْ مَا هَٰذَآ إِلَّا رَجُلٞ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمۡ عَمَّا كَانَ يَعۡبُدُ ءَابَآؤُكُمۡ وَقَالُواْ مَا هَٰذَآ إِلَّآ إِفۡكٞ مُّفۡتَرٗىۚ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمۡ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (43)

يخبر تعالى عن الكفار أنهم يستحقون منه العقوبة والأليم من العذاب ؛ لأنهم كانوا إذا تتلى عليهم آياته بينات يسمعونها غَضَّةً طرية من لسان رسوله{[24396]} صلى الله عليه وسلم ، { قَالُوا مَا هَذَا إِلا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ } ، يعنون أن دين آبائهم هو الحق ، وأن ما جاءهم به الرسول عندهم باطل - عليهم وعلى آبائهم لعائن الله - { وَقَالُوا مَا هَذَا إِلا إِفْكٌ مُفْتَرًى } يعنون : القرآن ، { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ } .


[24396]:- في ت: "رسول الله".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٖ قَالُواْ مَا هَٰذَآ إِلَّا رَجُلٞ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمۡ عَمَّا كَانَ يَعۡبُدُ ءَابَآؤُكُمۡ وَقَالُواْ مَا هَٰذَآ إِلَّآ إِفۡكٞ مُّفۡتَرٗىۚ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمۡ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (43)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذَا تُتْلَىَ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيّنَاتٍ قَالُواْ مَا هََذَا إِلاّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدّكُمْ عَمّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُكُمْ وَقَالُواْ مَا هََذَآ إِلاّ إِفْكٌ مّفْتَرًى وَقَالَ الّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقّ لَمّا جَآءَهُمْ إِنْ هََذَآ إِلاّ سِحْرٌ مّبِينٌ } .

يقول تعالى ذكره : وإذا تُتلى على هؤلاء المشركين آيات كتابنا بيّنات يقول : واضحات أنهنّ حقّ من عندنا قالُوا ما هَذَا إلاّ رَجُلُ يُرِيدُ أنْ يَصُدّكُمْ عَمّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ يقول : قالوا عند ذلك : لا تتبعوا محمدا ، فما هو إلاّ رجل يريد أن يصدّكم عما كان يعبد آباؤكم من الأوثان ، ويغير دينكم ودين آبائكم وَقالُوا ما هَذَا إلاّ إفْكٌ مُفْتَرًى يقول تعالى ذكره : وقال هؤلاء المشركون : ما هذا الذي تتلو علينا يا محمد ، يعنون القرآن ، إلاّ إفك . يقول : إلاّ كَذِبٌ مُفْترى يقول : مختلَق . متخرّص وَقالَ الّذِينَ كَفَرُوا للْحَقّ لما جَاءهمْ إنْ هَذَا إلاّ سِحْرٌ مُبِينٌ يقول جلّ ثناؤه : وقال الكفار للحقّ ، يعني محمدا صلى الله عليه وسلم لما جاءهم ، يعني : لما بعثه الله نبيا : هذا سحر مبين يقول : ما هذا إلاّ سحر مبين ، يبين لمن رآه وتأمله أنه سحر .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٖ قَالُواْ مَا هَٰذَآ إِلَّا رَجُلٞ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمۡ عَمَّا كَانَ يَعۡبُدُ ءَابَآؤُكُمۡ وَقَالُواْ مَا هَٰذَآ إِلَّآ إِفۡكٞ مُّفۡتَرٗىۚ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمۡ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (43)

{ وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا } يعنون محمدا عليه الصلاة والسلام . { إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم } فيستتبعكم بما يستبدعه . { وقالوا ما هذا } يعنون القرآن . { إلا إفك } لعدم مطابقة ما فيه الواقع . { مفترى } بإضافته إلى الله سبحانه وتعالى . { وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم } لأمر النبوة أو للإسلام أو للقرآن ، والأول باعتبار معناه وهذا باعتبار لفظه وإعجازه . { إن هذا إلا سحر مبين } ظاهر سحريته ، وفي تكرير الفعل والتصريح بذكر الكفرة وما في اللامين من الإشارة إلى القائلين والمقول فيه ، وما في { لما } من المبادهة إلى البت بهذا القول إنكار عظيم له وتعجيب بليغ منه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٖ قَالُواْ مَا هَٰذَآ إِلَّا رَجُلٞ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمۡ عَمَّا كَانَ يَعۡبُدُ ءَابَآؤُكُمۡ وَقَالُواْ مَا هَٰذَآ إِلَّآ إِفۡكٞ مُّفۡتَرٗىۚ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمۡ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (43)

انتقال من حكاية كفرهم وغرورهم وازدهائهم بأنفسهم وتكذيبهم بأصول الديانة إلى حكاية تكذيبهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأتبع ذلك بحكاية تكذيبهم الكتابَ والدين الذي جاء به فكان كالفذلكة لما تقدم من كفرهم .

وجملة { إذا تتلى } معطوفة على جملة { ويوم نحشرهم جميعاً } [ سبأ : 40 ] عطف القصة على القصة . وضمير { عليهم } عائد إلى { الذين كفروا } [ سبأ : 31 ] وهم المشركون من أهل مكة .

وإيراد حكاية تكذيبهم الرسول صلى الله عليه وسلم مقيدةً بالزمن الذي تتلى عليهم فيه آيات الله البينات تعجيب من وقاحتهم حيث كذبوه في أجدر الأوقات بأن يصدقوه عندها لأنه وقت ظهور حجة صدقه لكل عاقل متبصر .

وللاهتمام بهذا الظرف والتعجيب من متعلقه قُدّم الظرف على عامله والتشوق إلى الخبر الآتي بعده وأنه من قبل البهتان والكفر البواح .

والمراد بالآيات البينات آيات القرآن ، ووصفها بالبيّنات لأجل ظهور أنها من عند الله لإِعجازها إياهم عن معارضتها ، ولِما اشتملت عليه معانيها من الدلائل الواضحة على صدق ما تدعو إليه ، فهي محفوفة بالبيان بألفاظها ومعَانيها .

وحذف فاعل التلاوة لظهور أنه الرسول صلى الله عليه وسلم إذ هو تالي آيات الله ، فالإِشارة في قولهم : { ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم } إلى الرسول صلى الله عليه وسلم واستحضروه بطريق الإِشارة دون الاسم إفادة لحضوره مجلس التلاوة وذلك من تمام وقاحتهم فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ عليهم القرآن في مجالسهم كما ورد في حديث قراءته على عتبة بن ربيعة سورة فُصلت وقراءِته على عبد الله بن أُبَيّ ابن سَلول للقرآن بالمدينة في القصة التي تشاجر فيها المسلمون والمشركون .

وابتدأوا بالطعن في التالي لأنه الغرض الذي يرمون إليه ، وأثبتوا له إرادة صدّهم عن دين آبائهم قصد أن يثير بعضُهم حميةَ بعض لأنهم يجعلون آباءهم أهل الرأي فيما ارتأوا والتسديد فيما فعلوا فلا يرون إلا حَقّاً ولا يفعلون إلا صواباً وحكمة ، فلا جرم أن يكون مريد الصدّ عنها محاولاً الباطل وكاذباً في قوله لأن الحق مطابق الواقع فإبطال ما هو حق في زعمهم قولٌ غير مطابق للواقع فهو الكذب .

وفعل { كان } في قولهم : { عمّا كان يعبد آباؤكم } إشارة إلى أنهم عنوا أن تلك عبادة قديمة ثابتة . وفي ذلك إلهاب لقلوب قومهم وإيغار لصدورهم ليتألبوا على الرسول صلى الله عليه وسلم ويزدادوا تمسكاً بدينهم وقد قصروا الرسول عليه الصلاة والسلام على صفة إرادة صدهم قصراً إضافياً ، أي إلا رجل صادق فما هو برسول .

وأتبعوا وصف التالي بوصف المتلوّ بأنه كذب مفترىً وإعادة فعل القول للاهتمام بحكاية قولهم لفظاعته وكذلك إعادة فعل القول إعادة ثابتة للاهتمام بكل قول من القولين الغريبين تشنيعاً لهما في نفس السامعين فجملة { وقالوا ما هذا إلا إفك } عطف على جملة { قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم } ، فالفعلان مشتركان في الظرف .

والإِشارة الثانية إلى القرآن الذي تضمنه { تتلى } لتعيُّنه لذلك .

والإِفك : الكذب ، ووصفه بالمفترَى إما أن يتوجّه إلى نسبته إلى الله تعالى أو أريد أنه في ذاته إفك وزادوا فجعلوه مخترعاً من النبي صلى الله عليه وسلم ليس مسبوقاً به .

فكونه إفكاً يرجع إلى جميع ما في القرآن ، وكونه مفترىً يُرجعونه إلى ما فيه من قصص الأولين . وهذا القول من بهتانهم لأنهم كثيراً ما يقولون : { أساطير الأولين } [ الأنعام : 25 ] فليس { مفترى } تأكيداً ل { إفك } .

ثم حُكي تكذيبهم الذي يعم جميع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من وحي يتلى أو دعوة إلى التوحيد وغيره أو استدلال عليه أو معجزة بقولهم : { إن هذا إلا سحر مبين } ، فهذا المقال الثالث يشمل ما تقدم وغيره ، فحكاية مقالهم هذا تقوم مقام التذييل . وأُظهر للقائلين دون إضمار ما تقدم ما يصح أن يكون معاداً للضمير فقيل : { وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم } ولم يَقُل : وقالوا للحق لما جاءهم ، للدلالة على أن الكفر هو باعث قولهم هذا .

وأُظهر المشار إليه قبل اسم الإِشارة في قوله : { للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين } لأنه لا دليل عليه في الكلام السابق ، أي إذ ظهر لهم ما هُو حق من إثبات للتوحيد أو إخبار عن الغيب أو البعث قالوا : ما هذا إلا سحر مبين . فالمراد من الحق : ما هو أعم من آيات القرآن لأن السحر له أسلوبان : أحدهما شعوذة الأقوال التي لا تفهم مدلولاتها يختلقها السحرة ليوهموا الناس أن فيها مناجاة مع الجن ليمكنوهم من عمل ما يريدون فيسترهبوهم بذلك ، وثانيهما أفعال لها أسباب خفية مستورة بحِيل وخفة أيدٍ تحركها فيوهمون بها الناس أنها من تمكين الجن إياهم التصرف في الخفيات ، فإذا سمعوا القرآن ألحقوه بالأسلوب الأول ، وإذا رأوا المعجزات ألحقوها بالأسلوب الثاني كما قالت المرأة التي شاهدتْ معجزةَ تكثير الماء في بعض غزوات النبي صلى الله عليه وسلم فقالت لقومها « أتيتُ أسحرَ الناس ، أو هو نبيء كما زعموه » .

ومعنى { مبين } أنه يظهر منه أنه سحر فتبيينه كنهه من نفسه ، يعنون أن من سمعه يعلم أنه سحر .

وجملة { وقال الذين كفروا } معطوفة على جملة { وإذا تتلى } .