وقوله : { حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ } يعني : حتى إذا جاء مترفيهم - وهم السعداء المنعمون في الدنيا - عذابُ الله وبأسه ونقمته بهم { إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ } أي : يصرخون ويستغيثون ، كما قال تعالى : { وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلا . إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالا وَجَحِيمًا . وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا } [ المزمل : 11 - 13 ] ، وقال تعالى : { كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ } [ ص : 3 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : { حَتّىَ إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأرُونَ * لاَ تَجْأرُواْ الْيَوْمَ إِنّكُمْ مّنّا لاَ تُنصَرُونَ } .
يقول تعالى ذكره : ولهؤلاء الكفار من قريش أعمال من دون ذلك هم لها عاملون ، إلى أن يؤخذ أهل النّعمة والبطر منهم بالعذاب . كما :
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : إذَا أخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بالعَذابِ ، قال : المُتْرَفُون : العظماء . إذَا هُمْ يَجْئَرُونَ يقول : فإذا أخذناهم به جأروا ، يقول : ضجّوا واستغاثوا مما حلّ بهم من عذابنا .
ولعلّ الجُؤار : رفع الصوت ، كما يجأر الثور ومنه قول الأعشى :
يُرَاوِحُ مِنْ صَلَوَاتِ المَلِي *** كِ طَوْرا سُجُودا وَطَوْرا جُؤَارَ
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : إذَا هُمْ يَجأَرُونَ يقول : يستغيثون .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى وعبد الرحمن ، قالا : حدثنا سفيان ، عن علقمة بن قردد ، عن مجاهد ، في قوله : حتى إذَا أخَذْنا مُتْرَفِيهم بالعَذَابِ إذَا هُمْ يَجْأَرُونَ قال : بالسيوف يوم بدر .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس ، في قوله : إذَا هُمْ يَجْأَرُونَ قال : يجزعون .
قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جُرَيج : حتى إذَا أخَذْنا مُتْرَفِيهمْ بالعَذَابِ قال : عذاب يوم بدر . إذَا هُمْ يَجْأَرُونَ قال : الذين بمكة .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : حتّى إذَا أخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بالعَذَابِ يعني أهل بدر ، أخذهم الله بالعذاب يوم بدر .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سمعت ابن زيد يقول في قوله : إذَا هُمْ يَجْأَرُونَ قال : يجزعون .
{ حتى إذا أخذنا مترفيهم } متنعميهم . { بالعذاب } يعني القتل يوم بدر أو الجوع حين دعا عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : " اللهم أشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف " . فقحطوا حتى أكلوا الجيف والكلاب والعظام المحرقة . { إذا هم يجأرون } فاجثوا الصراخ بالاستغاثة ، وهو جواب الشرط والجملة مبتدأ بعد حتى ويجوز أن يكون الجواب : { لا تجأروا اليوم } .
و { حتى } حرف ابتداء لا غير ، و { إذا } والثانية{[8513]} التي هي جواب تمنعان من أن تكون { حتى } غاية ل { عاملون } ، و «المترف » هو المنعم في الدنيا الذي هو منها في سرف وهذه حال شائعة في رؤساء الكفرة من كل أمة و { يجأرون } معناه يستغيثون بصياح كصياح البقر وكثر استعمال الجؤار في البشر ومنه قول الأعشى : [ المتقارب ]
يراوح من صلوات المليك . . . فطوراً سجوداً وطوراً جؤارا{[8514]}
وذهب مجاهد وغيره إلى أن هذا العذاب المذكور وهو الوعيد بيوم بدر وفيه نفذ على { مترفيهم } والضمير في قوله { إذا هم } يحتمل أن يعود على «المترفين » فقط لأنهم صاحوا حين نزل بهم الهزم والقتل يوم بدر ، ويحتمل أن يعود على الباقين بعد المعذبين وقد حكى ذلك الطبري عن ابن جريح قال : المعذبون قتلى بدر والذين { يجأرون } قتلى مكة لأنهم ناحوا واستغاثوا{[8515]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.