تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَوۡ شِئۡنَا لَبَعَثۡنَا فِي كُلِّ قَرۡيَةٖ نَّذِيرٗا} (51)

يقول تعالى : { وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا } يدعوهم إلى الله عز وجل ، ولكنا خصصناك - يا محمد - بالبعثة إلى جميع أهل الأرض ، وأمرناك أن تبلغ الناس هذا القرآن ، { لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } [ الأنعام : 19 ] ، { وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ } [ هود : 17 ] { وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا } [ الأنعام : 92 ] ، { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } [ الأعراف : 158 ] . وفي الصحيحين : " بعثت إلى الأحمر والأسود " وفيهما : " وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة " ؛ ولهذا قال : { فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَوۡ شِئۡنَا لَبَعَثۡنَا فِي كُلِّ قَرۡيَةٖ نَّذِيرٗا} (51)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلّ قَرْيَةٍ نّذِيراً * فَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبيراً } .

يقول تعالى ذكره : ولو شئنا يا محمد لأرسلنا في كلّ مصر ومدينة نذيرا ينذرهم بأْسَنا على كفرهم بنا ، فيخفّ عنك كثير من أعباء ما حملناك منه ، ويسقط عنك بذلك مؤنة عظيمة ، ولكنا حملناك ثقل نذارة جميع القرى ، لتستوجب بصبرك عليه إن صبرت ما أعمدّ الله لك من الكرامة عنده ، والمنازل الرفيعة قِبَله ، فلا تطع الكافرين فيما يدعونك إليه من أن تعبد آلهتهم ، فنذيقك ضعف الحياة وضعف الممات ، ولكن جاهدهم بهذا القرآن جهادا كبيرا ، حتى ينقادوا للإقرار بما فيه من فرائض الله ، ويدينوا به ويذعنوا للعمل بجميعه طوعا وكرها . وبنحو الذي قلنا في قوله : وَجاهِدْهُمْ بِهِ قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : قال ابن عباس : قوله فَلا تُطِعِ الكافِرِينَ وَجاهِدْهِمْ بِهِ قال : بالقرآن . وقال آخرون في ذلك بما .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهادا كَبِيرا قال : الإسلام . وقرأ : وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وقرأ : وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وقال : هذا الجهاد الكبير .