تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{قُلۡ هَلۡ نُنَبِّئُكُم بِٱلۡأَخۡسَرِينَ أَعۡمَٰلًا} (103)

قال البخاري : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عَمْرو ، عن مُصْعَب قال : سألت أبي - يعني سعد بن أبي وقاص - : { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا } أهم الحَرُورية ؟ قال : لا هم اليهود والنصارى ، أما اليهود فكذبوا محمدًا صلى الله عليه وسلم ، وأما النصارى كفروا بالجنة ، وقالوا : لا طعام فيها ولا شراب . والحرورية الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه . وكان سعد رضي الله عنه ، يسميهم الفاسقين{[18554]} .

وقال علي بن أبي طالب{[18555]} والضحاك ، وغير واحد : هم الحرورية .

ومعنى هذا عن علي ، رضي الله عنه : أن هذه الآية الكريمة تشمل الحرورية كما تشمل اليهود والنصارى وغيرهم ، لا أنها نزلت في هؤلاء على الخصوص ولا هؤلاء{[18556]} بل هي أعم من هذا ؛ فإن هذه الآية مكية قبل خطاب اليهود والنصارى وقبل{[18557]} وجود الخوارج بالكلية ، وإنما هي عامة في كل من عبد الله على غير طريقة مرضية يحسب أنه مصيب فيها ، وأن عمله مقبول ، وهو مخطئ ، وعمله مردود ، كما قال تعالى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً } [ الغاشية : 2 - 4 ] وقوله{[18558]} تعالى : { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا } [ الفرقان : 23 ] وقال تعالى : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا } [ النور : 39 ] .

103


[18554]:صحيح البخاري برقم (4728).
[18555]:في ت: "طلحة".
[18556]:في أ: "هو".
[18557]:في ت: "وقيل".
[18558]:في ت، ف، أ: "وقال".