الآيتان 103 و104 : وقوله تعالى : { قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا } { الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا } يشبه أن يكون هذا خرج على مقابلة قول كان من رؤساء الكفرة وجواب لهم ، وهو أن الرؤساء منهم كانوا يوسعون الدنيا على بعض أتباعهم ، ويحسنون إليهم . ثم صار أولئك الأتباع أتباعا لرسول الله ، ودخلوا في دينه ، فضاقت عليهم الدنيا ، وذهبت المنافع التي كانت لهم منهم ، فعيرهم بذلك أولئك الكفرة ، ووبخوهم ، على ما اختاروا من الدين أنه لو كان حقا لاتسعت عليهم الدنيا كما اتسعت علينا وعليهم ما داموا على ديننا أو كلام نحو هذا فأجابهم الله بذلك ، فقال : { قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا } الآية .
ويحتمل أن يكون على الابتداء في أهل الصوامع منهم والرهبان الذين اعتزلوا النساء ، وحبسوا أنفسهم لعبادة الأصنام والأوثان ، وجهدوا{[11870]} هم فيها ، وحملوا على أنفسهم الشدائد والمشقة . فأخبر الله عز و جل أن هؤلاء أخسر أعمالا وأضل{[11871]} سعيا من الذين طلبوا الدنيا والرئاسة فيها ، ولم يفعلوا ما فعل هؤلاء ، وإن كانوا في الكفر سواء . والأخسر هو الوصف بالخسران على{[11872]} النهاية والغاية .
وجائز أن يستعمل أفعل في موضع فاعل{[11873]} . هذا في اللغة غير ممتنع ، فيكون تأوليه : { قل هل ننبئكم } بالخاسرين { أعمالا } كقوله : { الله أكبر } ( التوبة : 72 وغافر : 10 ) أي كبير .
وقوله تعالى : { الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا } يحتمل وجهين :
أحدهما : { ضل } أي ذلوا لعبادتهم التي عبدوا : تلك الأوثان والأصنام ، وخذلوا أنفسهم بذلك . وعلى ذلك يخرج قوله : { أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة } ( التوبة : 69 ) ( أي ) {[11874]} أذلوا أنفسهم بعبادتهم الأصنام .
والثاني : { ضل سعيهم } الذي سعوا في الدنيا بعبادتهم الأصنام في الآخرة لأنهم قالوا { ما نعذبهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } ( الزمر : 3 ) وقالوا{[11875]} : { هؤلاء شفعاؤنا عند الله } ( يونس : 18 ) ونحوه .
فَضَّلَ ما أملوا في الآخرة بسعيهم في الدنيا{[11876]} ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { وهم يحسبون } بعبادتهم الأصنام التي عبدوها { أنهم يحسنون } بما أنفقوا على أولئك ، ووسعوا { صنعا } أي خيرا أو معروفا ؛ أي ليس ( ذلك بصنع ، ولا ) {[11877]} خير .
وفيه دلالة أنهم يؤاخذون بفعلهم الذي فعلوا ، وإن جهلوا الحق . وهكذا قولنا : إن من فعل فعلا ، وهو جاهل ، فإنه يؤاخذ به بعد أن يكون له سبيل الوصول إلى الحق بالطلب والتعلم حين قال : { وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.