الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{فَأَتۡبَعَ سَبَبًا} (85)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"فَأَتْبَعَ سبَبا" اختلفت القراء في قراءة ذلك؛ فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة: «فاتّبع» بوصل الألف وتشديد التاء، بمعنى: سلك وسار، من قول القائل: اتّبعتُ أثر فلان: إذا قفوته وسرت وراءه.

وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة "فَأَتْبَعَ "بهمز وتخفيف التاء، بمعنى: لحق.

وأولى القراءتين في ذلك بالصواب: قراءة من قرأ: «فاتّبَعَ» بوصل الألف، وتشديد التاء، لأن ذلك خبر من الله تعالى ذكره عن مسير ذي القرنين في الأرض التي مكن له فيها، لا عن لحاقه السبب... عن ابن عباس «فاتّبَعَ سَبَبا» يعني بالسبب: المنزل...

عن مجاهد في قوله: "سَبَبا" قال: منزلاً وطريقا ما بين المشرق والمغرب.

عن قتادة «فاتّبَعَ سَبَبا»: اتبع منازل الأرض ومعالمها...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{فَأَتْبَعَ سَبَباً} يوصله إليه حتى بلغ، وكذلك أراد المشرق فأتبع سبباً، وأراد بلوغ السدّين فأتبع سبباً.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{فأَتْبَعَ سَبَباً} ومعناه أنه تعالى لَمّا أعطاه مِن كلِّ شيءٍ سَبَبَه فإذا أراد شيئاً أتبع سبباً يوصله إليه ويُقَرِّبُه منه...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{فاتَّبع} أي بغاية جهده -هذا على قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو بالتشديد، والمعنى على قراءة الباقين بقطع الهمزة وإسكان الفوقانية [فأتبع]: ألحق بعض الأسباب ببعض، وذلك تفسير لقراءة التشديد {سبباً} يوصله إليه، واستمر متبعاً له.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

وعَمِلَ بتلك الأسبابِ التي أعطاه اللهُ إيّاها، أي: استعمَلها على وَجْهِها، فليس كلُّ مَن عندَه شيءٌ من الأسباب يَسلُكه، ولا كلُّ أحدٍ يكون قادرا على السَّبب، فإذا اجتَمَع القدرةُ على السبب الحقيقيّ والعَمَلُ به، حَصَلَ المقصودُ، وإنْ عُدِما أو أحدُهما لم يَحْصُلْ. وهذه الأسبابُ التي أعطاه الله إيّاها، لم يُخبِرنا اللهُ ولا رسولُه بها، ولم تتناقلها الأخبار على وجهٍ يفيد العِلْمَ،... ولكننا نَعْلَم بالجُمْلة أنها أسبابٌ قويّةٌ كثيرةٌ، داخليّةٌ وخارجيّةٌ، بها صار له جُنْدٌ عظيمٌ، ذو عَدَدٍ وعُدَدٍ ونِظامٍ، وبه تَمَكَّنَ من قَهْر الأعداء، ومن تسهيل الوصول إلى مشارق الأرض ومغاربِها، وأنحائها...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

السبب: الوسيلة. والمراد هنا معنى مجازي وهو الطريق، لأن الطريق وسيلة إلى المكان المقصود، وقرينة المجاز ذكر الاتباع والبلوغ في قوله: {فأتبع سبباً حتى إذا بلغ مغرب الشمس} والدليل على إرادة غير معنى السبب في قوله تعالى: {وءاتيناه مِن كُلّ شَيْءٍ سَبَباً} إظهار اسم السبب دون إضماره، لأنه لما أريد به معنى غير ما أُريد بالأول حسن إظهار اسمه تنبيهاً على اختلاف المعنيين، أي فاتبع طريقاً للسير وكان سيره للغزو، كما دلّ عليه قوله: {حَتَّى إذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ}. ولم يعدّ أهل اللغة معنى الطريق في معاني لفظ السبب لعلهم رأوه لم يكثر وينتشر في الكلام. ويظهر أن قوله تعالى: {أسباب السموات} [فاطر: 37] من هذا المعنى...

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

{فأَتْبَعَ سَبَباً}. أي أنه يُرْدِفُ السّببَ سبباً لِشيءٍ آخَرَ، وهكذا تتوارَدُ أسبابُ العمل سبباً يَتْبَعُ سَبَباً، أي يجيء من بعده تابعاً له، وهكذا مكّن في الدنيا، إذ اتَّخذ سبيلَ الحق والعدل، يَسلُك الأسبابَ المُوصِلة بما آتاه اللهُ من العِلم والإدراك فإذا كان عادلاً مُنصِفاً استقَرَّ حُكمُه، وانتَظمتِ الأمورُ، وإذا انتظمت الأمورُ قَوِيَتِ الجماعةُ واستقامتِ الأخلاقُ وسادت الفضيلةُ وانتصرتْ في الحروب وإذا انتصرتْ أَنْصَفَتْ، وجَلَبَتِ المصالحَ، ودَفَعت المَضَارَّ، وهكذا تترادف الأسبابُ وتستقيم الأمورُ، وإنه بتوافُر الخيرِ واتِّخاذِ الأسبابِ المُكَوِّنةِ لدولةٍ قويّةٍ عادلةٍ، سارَ في الأقاليم فاتحاً ناشراً لِواءَ [الحقِّ] والعدل...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

أتبع السبب،... لقد... مَكَّنَ الحَقُّ لذي القرنين في الأرض، وأعطاه مِن كل شيء سَبَباً، ومع ذلك لم يَرْكَنْ ذو القرنين إلى ما أعْطِي، فلم يَتقاعَسْ، ولم يَكْسَلْ، بل أَخَذ من عطاء الله له بشيءٍ مِن كلّ سببٍ...