الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{أَبۡصَٰرُهَا خَٰشِعَةٞ} (9)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

يعني ذليلة مما رأت عند معاينة النار، فخضعت كقوله: {خاشعين من الذل} مما ترى من العجائب ومما ترى من أمر الآخرة...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"أبْصَارُها خاشِعَةٌ" يقول: أبصار أصحابها ذليلة مما قد علاها من الكآبة والحزن من الخوف والرعب الذي قد نزل بهم، من عظيم هول ذلك اليوم،

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

ووجه تخصيص الأبصار والقلوب، والله أعلم، وهو أنه لا يتهيأ لأحد استعمال قلبه وبصره، بل يحدث للقلوب فكر وبدرات، لا يمكنه أن يدفع عنها الفكر، وكذلك هذا في البصر، فيخبر أن ما نزل بهم من الخوف والهيبة يمنع القلوب والأبصار عن عملها، فلا ينظر إلى الداعي، ولا يحدث للقلوب فكر، بل تكون أفئدة هؤلاء لا تقر لشدة ما حل بها من الخوف؛ إن المرء إذا حزبه أمر، فهو يعمل أنواعا من الحيل، ويوقع بصره على شيء فشيء رجاء أن يستدرك ما فيه خلاصه وسلامته من ذلك الأمر، ثم ينقطع عنهم التدبير في ذلك اليوم، فتكون قلوب هؤلاء لا تقر في موضع، ولا تقف على تدبير لشدة ما حل بهم، وتكون الأبصار خاشعة ذليلة إلى ما يدعو الداعي...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

فإن قلت: كيف صح إضافة الأبصار إلى القلوب؟ قلت: معناه أبصار أصحابها بدليل قوله: {يَقُولُونَ}...

زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي 597 هـ :

قال عطاء: وهذه أبصار من لم يمت على الإسلام...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{أبصارها} أي أبصار أصحابها فهو من الاستخدام {خاشعة} أي ذليلة ظاهر عليها الذل واضطراب القلوب من سوء الحال، ولذلك أضافها إليها...

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

على أنَّ الوجيفَ الذي هُو عبارةٌ عنْ شدةِ اضطرابِ القلبِ وقلقِه من الخوفِ والوجلِ أشدُّ من خشوعِ البصرِ وأهولُ فجعلُ...

كأنَّه قيلَ: قلوبٌ كثيرةٌ يومَ إذْ يقعُ النفختانِ واجفةٌ أيْ شديدةُ الاضطرابِ...

روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :

وجوز أن يراد بالأبصار البصائر أي صارت البصائر ذليلة لا تدرك شيئاً فكني بذلها عن عدم إدراكها لأن عز البصيرة إنما هي بالإدراك وبحث في كون القلوب غير مدركة يوم القيامة وأجيب بأن المراد شدة الذهول والحيرة...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والخشوع حقيقته: الخضوع والتذلل، وهو هيئة للإِنسان، ووصف الأبصار به مجاز في الانخفاض والنظرِ من طرْف خفي من شدة الهلع والخوف من فظيع ما تشاهده من سوء المعاملة...

وإضافة (أبصار) إلى ضمير القلوب لأدنى ملابسة لأن الأبصار لأصحاب القلوب وكلاهما من جوارح الأجساد...

الشعراوي-1419هـ:

وجيف القلوب أمر مختفٍ عن نظر الناس؛ لذلك فلابد أن يوجد له أمر واضح يحس لدى الناس جميعاً، فيأتي في منفذ الأحاديث كلها وهو العين، فالعين هي المنفذ الذي يستطيع أن يدرك كل حقيقة النفس الإنسانية، فتستطيع من نظرة العين أن تعرف أهي نظرة محب أم نظرة مبغض، وتستطيع من نظرة العين أن تعرف أهي نظرة إعجاب أم نظرة احتقار وتهكم، تستطيع أن تعرف من نظرة العين كل ما تكنه النفس؛ ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: {يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصّدور (19)} [غافر]. حتى عندما يريد الأطباء أن يعرفوا شرايين إنسان أهي سليمة وتعمل بكفاءتها أم لا فإنهم ينظرون إلى شرايين العين، فهي أصدق وسيلة لمعرفة حالة باقي شرايين الجسم.

{أبصارها خاشعة} ذليلة.. منكسرة.. متواضعة، بعد أن كانت أبصاراً وقحة.. مستهزئة.. منكرة، لقد تغير الموقف وتبدل؛ لأن الانفعال أتى من الخارج، فأثر على القلوب، فأفشت العين الأمر.

ونلاحظ أن القرآن لم يقل: «أبصارهم خاشعة»، بل نسب الأبصار إلى القلوب، وهذا يعلمنا أسلوباً جديداً أيضاً، وهو أن القلوب حين تضطرب وتقلق، يسري القلق منها إلى كل جزء من أجزاء النفس، فكأن القلب ليس وحده هو الذي وجف، بل أصبح كل الجسم واجفاً، فصار سمت القلوب سمتاً للأنفس والأجساد كلها؛ لذلك قال: {أبصارها خاشعةٌ} فكأنهم جميعاً باضطرابهم وقلقهم أصبحت كل ذاتهم مضطربة قلقة، وليس القلب وحده.