المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{حمٓ} (1)

مقدمة السورة:

افتتحت هذه السورة بحرفين من حروف الهجاء ، وأتبعت ذلك ببيان أن تنزيل القرآن من الله العزيز الحكيم ، ثم عرضت أدلة كونية وعقلية لإثبات عقيدة الإيمان ، والدعوة إلى اعتناقه ، كما تضمنت الدعاء على المكذبين للآيات ، ثم أخذت تعدد نعم الله وفضله على عباده ، وطلبت من المؤمنين أن يغفروا للمنكرين ، فالله وحده هو الذي يجزي كل نفس بما كسبت ، وبعد ذلك تحدثت السورة عما تفضل الله به على بني إسرائيل من نعم كثيرة ، وما وقع بينهم من اختلاف سيقضي الله فيه يوم القيامة . ثم أخذت تفرق بين من اتبعوا الحق ومن اتبعوا الهوى ، فأنكروا البعث وردوا آيات القدرة بطلبهم إحياء آبائهم ، والله هو المحيي والمميت له ملك كل شيء ، ويوم يحشر المبطلون تدعى كل نفس إلى كتابها ، ويفوز المؤمنون ويؤنب المستكبرون ، وتعود السورة إلى الحديث عن إنكارهم الساعة وتكذيبهم بالآيات الدالة عليها ، وعن نسيان الله إياهم كما نسوا هذا اليوم ، وبيان أن مأواهم النار باستهزائهم بآيات الله وغرورهم بالدنيا ، وختمت السورة بالثناء على خالق السماوات والأرض ، صاحب الكبرياء فيهما ، العزيز الحكيم .

1- حم : حرفان من الحروف الصوتية ابتدأت بهما هذه السورة على طريقة القرآن في افتتاح بعض سوره بمثل هذه الحروف للإشارة إلى عجز المشركين عن الإتيان بمثله مع أنه مؤلف من الحروف التي يستعملونها في كلامهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{حمٓ} (1)

مقدمة السورة:

سميت هذه السورة في كثير من المصاحف العتيقة بتونس وكتب التفسير وفي صحيح البخاري { سورة الجاثية } معرفا باللام .

وتسمى { حم الجاثية } لوقوع لفظ { جاثية } فيها ولم يقع في موضع آخر من القرآن ، واقتران لفظ { الجاثية } بلام التعريف في اسم السورة مع أن اللفظ المذكور فيها خلي عن لام التعريف لقصد تحسين الإضافة ، والتقدير : سورة هذه الكلمة ، أي السورة التي تذكر فيها هذه الكلمة ، وليس لهذا التعريف فائدة غير هذه . وذلك تسمية حم غافر ، وحم الزخرف .

وتسمى { سورة شريعة } لوقوع لفظ { شريعة } فيها ولم يقع في موضع آخر من القرآن .

وتسمى { سورة الدهر } لوقوع { وما يهلكنا إلا الدهر } فيها ولم يقع لفظ الدهر في ذوات حم الأخر .

وهي مكية قال ابن عطية : بلا خلاف ، وفي القرطبي عن ابن عباس وقتادة استثناء قوله تعالى { قل للذين آمنوا يغفروا } إلى { بما كانوا يكسبون } نزلت بالمدينة . وعن ابن عباس أنها نزلت عن عمر بن الخطاب شتمه رجل من المشركين بمكة فأراد أن يبطش به فنزلت .

وهي السورة الرابعة والستون في ترتيب نزول السور عند جابر بن زيد ، نزلت بعد سورة الدخان وقبل الأحقاف .

وعدد آيها في عد المدينة ومكة والشام والبصرة ست وثلاثون . وفي عد الكوفة سبع وثلاثون لاختلافهم في عد لفظ { حم } آية مستقلة .

أغراضها

الابتداء بالتحدي بإعجاز القرآن وأنه جاء بالحق توطئة لما سيذكر بأنه حق كما اقتضاه قوله { تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق } .

وإثبات انفراد الله تعالى بالإلهية بدلائل ما في السماوات والأرض من آثار خلقه وقدرته في جواهر الموجودات وأعراضها وإدماج ما فيها مع ذلك من نعم يحق على الناس شكرها لا كفرها .

ووعيد الذين كذبوا على الله والتزموا الآثام بالإصرار على الكفر والإعراض عن النظر في آيات القرآن والاستهزاء بها .

والتنديد على المشركين إذ اتخذوا آلهة على حسب أهوائهم وإذ جحدوا البعث ، وتهديدهم بالخسران يوم البعث ، ووصف أهوال ذلك ، وما أعد فيه من العذاب للمشركين ومن رحمة للمؤمنين .

ودعاء المسلمين للإعراض عن إساءة الكفار لهم والوعد بأن الله سيخزي المشركين .

ووصف بعض أحوال يوم الجزاء . ونظر الذين أهملوا النظر في آيات الله مع تبيانها وخالفوا على رسولهم صلى الله عليه وسلم فيما فيه صلاحهم بحال بني إسرائيل في اختلافهم في كتابهم بعد أن جاءهم العلم وبعد أن اتبعوه فما ظنك بمن خالف آيات الله من أول وهلة تحذيرا لهم من أن يقعوا فيما وقع فيه بنو إسرائيل من تسليط الأمم عليهم وذلك تحذير بليغ .

وذلك تثبيت للرسول صلى الله عليه وسلم بأن شأن شرعه مع قومه كشأن شريعة موسى لا تسلم من مخالف ، وأن ذلك لا يقدح فيها ولا في الذي جاء بها ، وأن لا يعبأ بالمعاندين ولا بكثرتهم إذ لا وزن لهم عند الله .

تقدم القول في نظائره ، وهذه جملة مستقلة .