مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{حمٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الجاثية

بسم الله الرحمن الرحيم

{ حم * تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم * إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين * وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون * واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون * تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون } . فيه مسائل :

المسألة الأولى : اعلم أن قوله { حم ، تنزيل الكتاب } وجوها ( الأول ) أن يكون { حم } مبتدأ و{ تنزيل الكتاب } خبره وعلى هذا التقدير فلا بد من حذف مضاف ، والتقدير تنزيل حم ، تنزيل الكتاب ، و { من الله } صلة للتنزيل ( الثاني ) أن يكون قوله { حم } في تقدير : هذه حم ثم نقول { تنزيل الكتاب } واقع من الله العزيز الحكيم ( الثالث ) أن يكون { حم } قسما و { تنزيل الكتاب } نعتا له ، وجواب القسم { إن في السموات } والتقدير : وحم الذي هو تنزيل الكتاب أن الأمر كذا وكذا .

المسألة الثانية : قوله { العزيز الحكيم } يجوز جعلهما صفة للكتاب ، ويجوز جعلهما صفة لله تعالى ، إلا أن هذا الثاني أولى ، ويدل عليه وجوه ( الأول ) أنا إذا جعلناهما صفة لله تعالى كان ذلك حقيقة ، وإذا جعلناهما صفة للكتاب كان ذلك مجازا والحقيقة أولى من المجاز ( الثاني ) أن زيادة القرب توجب الرجحان ( الثالث ) أنا إذا جعلنا العزيز الحكيم صفة لله كان ذلك إشارة إلى الدليل الدال على أن القرآن حق ، لأن كونه عزيزا يدل على كونه قادرا على كل الممكنات وكونه حكيما يدل على كونه عالما بجميع المعلومات غنيا عن كل الحاجات ، ويحصل لنا من مجموع كونه تعالى : عزيزا حكيما كونه قادرا على جميع الممكنات ، عالما بجميع المعلومات ، غنيا عن كل الحاجات ، وكل ما كان كذلك امتنع منه صدور العبث والباطل ، وإذا كان كذلك كان ظهور المعجز دليلا على الصدق ، فثبت أنا إذا جعلنا كونه عزيزا حكيما صفتين لله تعالى يحصل منه هذه الفائدة ، وأما إذا جعلناهما صفتين للكتاب لم يحصل منه هذه الفائدة ، فكان الأول أولى ، والله أعلم .