المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحۡزُنكَ كُفۡرُهُۥٓۚ إِلَيۡنَا مَرۡجِعُهُمۡ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (23)

23- ومن لم يجعل ذاته ونفسه خالصة لله فلا يحزنك جحوده وإعراضه ، إلينا - وحدنا - مرجع هؤلاء يوم القيامة ، فنعرض عليهم أعمالهم . لأننا نحيط علماً بدخائل النفوس فكيف بظواهر الأعمال ؟ .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحۡزُنكَ كُفۡرُهُۥٓۚ إِلَيۡنَا مَرۡجِعُهُمۡ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (23)

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحۡزُنكَ كُفۡرُهُۥٓۚ إِلَيۡنَا مَرۡجِعُهُمۡ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (23)

لما خلا ذَمّ الذين كفروا عن الوعيد وانتقل منه إلى مدح المسلمين ووعدهم عطف عِنان الكلام إلى تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم بتهوين كفرهم عليه تسلية له وتعريضاً بقلة العِبْءِ بهم لأن مرجعهم إلى الله فيريهم الجزاء المناسب لكفرهم ، فهو تعريض لهم بالوعيد .

وأُسند النهي إلى كفرهم عن أن يكون محزناً للرسول صلى الله عليه وسلم مجازاً عقلياً في نهي الرسول عليه الصلاة والسلام عن مداومة الفكر بالحزن لأجل كفرهم لأنه إذا قلع ذلك من نفسه انتفى إحزان كفرهم إياه . وقرأ نافع { يُحْزِنك } بضم التحتية وكسر الزاي مضارع أحزنه إذا جعله حزيناً . وقرأ البقية { يَحْزُنك } بفتح التحتية وضم الزاي مضارع حَزَنه بذلك المعنى ، وهما لغتان : الأولى لغة تميم ، والثانية لغة قريش ، والأولى أقيس وكلتاهما فُصحى ولغة تميم من اللغات التي نزل بها القرآن وهي لغة عُلْيا تميم وهم بنو دارم كما تقدم في المقدمة السادسة . وزعم أبو زيد والزمخشري : أن المستفيض أحْزَن في الماضي ويُحْزن في المستقبل ، يريدان الشائع على ألسنة الناس ، والقراءة رواية وسنة . وتقدم في سورة يوسف ( 13 ) { إنّي لَيُحزنني } وفي سورة الأنعام ( 33 ) { قد نعلم أنه ليُحزنك الذي يقولون } وجملة { إلينا مرجعهم } واقعة موقع التعليل للنهي ، وهي أيضاً تمهيد لوعد الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الله يتولى الانتقام منهم المدلول عليه بقوله { فنُنبئهم } مفرعاً على جملة { إلينا مرجعهم } كناية عن المجازاة ؛ استعمل الإنباء وأريد لازمه وهو الإظهار كما تقدم آنفاً .

وجملة { إن الله عليم بذات الصدور } تعليل لجملة { فننبئهم بما عملوا ، } فموقع حرف { إنّ } هنا مغنٍ عن فاء التسبب كما في قول بشار :

إن ذاك النجاح في التبكير

و { ذات الصدور } : هي النوايا وأعراض النفس من نحو الحِقد وتدبير المكر والكفر . ومناسبته هنا أن كفر المشركين بعضُه إعلان وبعضه إسرار قال تعالى : { وأسِرُّوا قولكم أو اجهَروا به إنه عليم بذات الصدور } [ الملك : 13 ] ، وتقدم في قوله تعالى : { إنه عليم بذات الصدور } في سورة الأنفال ( 43 ) .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحۡزُنكَ كُفۡرُهُۥٓۚ إِلَيۡنَا مَرۡجِعُهُمۡ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (23)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

وذلك أن كفار مكة، قالوا: في حم عسق: {افترى على الله كذبا} [الشورى:24]، يعنون النبي صلى الله عليه وسلم حين يزعم أن القرآن جاء من الله عز وجل، فشق على النبي صلى الله عليه وسلم قولهم وأحزنه، فأنزل الله عز وجل: {ومن كفر} بالقرآن {فلا يحزنك كفره} {إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا} من المعاصي.

{إن الله عليم بذات الصدور}: إن الله عز وجل عالم بما في قلب محمد صلى الله عليه وسلم من الحزن بما قالوا له.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ومن كفر بالله فلا يحزنك كفره، ولا تذهب نفسك عليهم حسرة، فإنّ مرجعهم ومصيرهم يوم القيامة إلينا، ونحن نخبرهم بأعمالهم الخبيثة التي عملوها في الدنيا، ثم نجازيهم عليها جزاءهم.

"إنّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ" يقول: إن الله ذو علم بما تكنه صدورهم من الكفر بالله، وإيثار طاعة الشيطان.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{فلا يحزنك كفره} لا يحزنك تكذيبه إياك، فذكر كفره لأنه بتكذيبه ما يصير كافرا، وهو سبب كفره كقوله: {لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} الآية [المائدة: 41].

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

والمعنى: لا يهمنك كفر من كفر وكيده للإسلام، فإن الله عزّ وجلّ دافع كيده في نحره، ومنتقم منه، ومعاقبه على عمله {إِنَّ الله} يعلم ما في صدور عباده، فيفعل بهم على حسبه.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

ثم سلى عز وجل نبيه عن موجدته لكفر قومه وإعراضهم فأمره لا يحزن لذلك بل يعمد لما كفله من التبليغ ويرجع الكل إلى الله تعالى... و «ذات الصدور» ما فيها والقصد من ذلك إلى المعتقدات والآراء...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما ذكر المسلم ذكر الكافر فقال: {و من كفر} أي ستر ما أداه إليه عقله من أن الله لا شريك له، وأنه لا قدرة أصلا لأحد سواه، ولم يسلم وجهه إليه، فتكبر على الدعاة وأبى أن ينقاد لهم، اتباعاً لما قاده إليه الهوى. بأن جعل لنفسه اختياراً وعملاً فعل القوي القادر، فقد ألقى نفسه في كل هلكة لكونه لم يتمسك شيء {فلا يحزنك} أي يهمك ويوجعك، وأفرد الضمير باعتبار لفظ من لإرادة التنصيص على كل فرد فقال: {كفره} كائناً من كان فإنه لم يَفُتك شيء فيه خير ولا معجز لنا ليحزنك، ولا تبعة عليك بسببه، وفي التعبير هنا بالماضي وفي الأول بالمضارع بشارة بدخول كثير في هذا الدين، وأنهم لا يرتدون بعد إسلامهم، وترغيب في الإسلام لكل من كان خارجاً عنه، فالآية من الاحتباك: ذكر الحزن ثانياً دليلاً على حذف ضده أولاً، وذكر الاستسماك أولاً دليلاً على حذف ضده ثانياً.

ولما كان الحزن بمعنى الهم، حسن التعليل بقوله التفاتاً إلى مظهر العظمة التي هذا من أخفى مواضعها، وجمع لأن الإحاطة بالجمع أدل على العظمة: {إلينا} أي خاصة بما لنا من العظمة التي لا تثبت لها الجبال {مرجعهم} أي رجوعهم وزمانه ومكانه أي معنى في الدنيا وحساً يوم الحساب، لا إلى غيرنا، ولما بين أنهم في قبضته، وأنه لا بد من بعثهم، بين أن السبب في ذلك حسابهم لتظهر الحكمة فقال: {فننبئهم} بسبب إحاطتنا بأمرهم وعقب رجوعهم {بما عملوا} أي ونجازيهم عليه إن أردنا.

ولما كان معنى التضعيف: نفعل معهم فعل منقب عن الأمور مفتش على جليها وخفيها، جليلها ودقيقها، فلا نذر شيئاً منها، علله بقوله معبراً بالاسم الأعظم المفهم للعظمة وغيرها من صفات الكمال التي من أعظمها العلم، لفتاً للكلام عن العظمة التي لا تدل على غيرها إلا باللزوم، مؤكداً لإنكارهم شمول علمه {إن الله عليم} أي محيط العلم بما له من الإحاطة بأوصاف الكمال {بذات الصدور} أي بالأعمال التي هي صاحبتها، ومضمرة ومودعة فيها، فناشئة عنها من قبل أن تبرز إلى الوجود، فكيف بذلك بعد عملها.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

{وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ} لأنك أديت ما عليك، من الدعوة والبلاغ، فإذا لم يهتد، فقد وجب أجرك على اللّه، ولم يبق للحزن موضع على عدم اهتدائه، لأنه لو كان فيه خير، لهداه اللّه.

ولا تحزن أيضا، على كونهم تجرأوا عليك بالعداوة، ونابذوك المحاربة، واستمروا على غيهم وكفرهم، ولا تتحرق عليهم، بسبب أنهم ما بودروا بالعذاب.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

تلك نهاية من يسلم وجهه إلى الله وهو محسن. وهذه نهاية من يكفر ويخدعه متاع الحياة.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

و {ذات الصدور}: هي النوايا وأعراض النفس من نحو الحِقد وتدبير المكر والكفر، ومناسبته هنا أن كفر المشركين بعضُه إعلان وبعضه إسرار قال تعالى: {وأسِرُّوا قولكم أو اجهَروا به إنه عليم بذات الصدور} [الملك: 13]

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

ومثل هذه التعبيرات التي وردت مراراً في القرآن، تبيّن أنّ النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) كان يتألّم ويتعذّب كثيراً عندما يرى الجاهلين العنودين يتركون سبيل الله مع تلك الدلائل البيّنة والعلامات الواضحة، ويسلكون سبيل الغيّ والضلال، وكان يغتمّ إلى درجة أنّ الله تعالى كان يسلّي خاطره في عدّة مرّات، وهذا دأب وحال المرشد والقائد الحريص المخلص.