{ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } أي : تود أن لو{[25230]} أعيدت إلى الدار فتحسن{[25231]} العمل .
قال علي بن أبي طلحة : عن ابن عباس : أخبر الله سبحانه{[25232]} ، ما العباد قائلون قبل أن يقولوه ، وعملهم قبل أن يعملوه{[25233]} ، وقال : { وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } [ فاطر : 14 ] ، { أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } فأخبر الله تعالى : أن لو رُدوا لما قدروا على الهدى ، وقال تعالى : { وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [ الأنعام : 28 ] .
وقد قال{[25234]} الإمام أحمد : حدثنا أسود ، حدثنا أبو بكر ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كل أهل النار يرى مقعده من الجنة فيقول : لو أن الله هداني ؟ ! فتكون عليه حسرة » . قال : «وكل أهل الجنة يرى مقعده من النار فيقول : لولا أن الله هداني ! » قال : «فيكون له الشكر » .
ورواه النسائي من حديث أبي بكر بن عياش ، به{[25235]} .
القول في تأويل قوله تعالى : { أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنّ اللّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنّ لِي كَرّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } .
** يقول تعالى ذكره : وأنيبوا إلى ربكم أيها الناس ، وأسلموا له ، أن لا تقول نفس يوم القيامة : يا حسرتا على ما فرّطت في جنب الله ، في أمر الله ، وأن لا تقول نفس أخرى : لو أن الله هداني للحقّ ، فوفقني للرشاد لكنت ممن اتقاه بطاعته واتباع رضاه ، أو أن لا تقول أخرى حين ترى عذاب الله فتعاينه لَوْ أنّ لي كَرّةً تقول : لو أن لي رجعة إلى الدنيا فأكُونَ مِنَ المُحْسِنينَ الذين أحسنوا في طاعة ربهم ، والعمل بما أمرتهم به الرسل . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة يا حَسْرَتا على ما فَرّطْتُ فِي جَنْبِ اللّهِ . . . الاَية ، قال : هذا قول صنف منهم أوْ تَقُولَ لَوْ أنّ اللّهَ هَدَانِي . . . الاَية ، قال : هذا قول صنف آخر : أوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى العَذَابَ . . . الاَية ، يعني بقوله لَوْ أنّ لي كَرّةً رجعة إلى الدنيا ، قال : هذا صنف آخر .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : أنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتا على ما فَرّطْتُ فِي جَنْبِ اللّهِ قال : أخبر الله ما العباد قائلوه قبل أن يقولوه ، وعملهم قبل أن يعملوه ، قال : وَلا يُنَبّئُكَ مِثْلُ خَبِيرً أنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتا على ما فَرّطْتُ فِي جَنْبِ اللّهِ أوْ تَقُولَ لَوْ أنّ اللّهَ هَدَانِي . . . إلى قوله : فأكُونَ مِنَ المُحْسِنينَ يقول : من المهتدين ، فأخبر الله سبحانه أنهم لو رُدّوا لم يقدروا على الهدي ، وقال : وَلَوْ رُدّوا لَعَادُوا لمَا نُهُوا عَنْهُ وَإنّهُمْ لَكَاذِبُونَ وقال : وَنُقَلّبُ أفْئِدَتِهُمْ وأبْصَارَهُمْ كما لم يؤمنوا به أول مرة ، قال : ولو ردوا إلى الدنيا لحيل بينهم وبين الهدى ، كما حلنا بينهم وبينه أول مرة وهم في الدنيا .
وفي نصب قوله فأَكُونَ وجهان أحدهما : أن يكون نصبه على أنه جواب لو والثاني : على الرد على موضع الكرة ، وتوجيه الكرة في المعنى إلى : لو أن لي أن أكر ، كما قال الشاعر :
فَما لَكَ مِنْها غيرُ ذِكْرى وَحَسْرَةٍ *** وَتَسأَلَ عَنْ رُكْبانِها أيْنَ يَمّمُوا ؟
فنصب تسأل عطفا بها على موضع الذكرى ، لأن معنى الكلام : فمالك ( . . . ) بيرسلَ على موضع الوحي في قوله : إلاّ وَحْيا .
وقوله : { أو تقول } في الموضعين عطف على قوله : { أن تقول } الأول . و : { كرة } مصدر من كر يكر . وقوله : { فأكون } نصب بأن مضمرة مقدرة ، وهو عطف على قول : { كرة } والمراد : لو أن لي كرة فكونا ، فلذلك احتيج إلى : ليكون مع الفعل بتأويل المصدر ، ونحوه قول الشاعر أنشده الفراء : [ الطويل ]
فما لك منها غير ذكرى وحسبة . . . وتسأل عن ركبانها أين يمموا ؟{[9920]}
ومعنى { أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين } إنهم يقولونه لقصد الاعتذار والتنصل ، تعيد أذهانهم ما اعتادوا الاعتذار به للنبيء صلى الله عليه وسلم كما حكَى الله عنهم : { وقالوا لو شاء الرحمان ما عبدناهم } [ الزخرف : 20 ] وهم كانوا يقولونه لقصد إفحام النبي حين يدعوهم فبَقيَ ذلك التفكير عالقاً بعقولهم حين يُحضرون للحساب . والكلام في مِنَ المُتَّقين } مثلُه في { من الساخرين } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.