قوله تعالى : { قالوا } ، يعني : إخوة يوسف ، { جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه } ، أي : فالسارق جزاؤه أن يسلم السارق بسرقته إلى المسروق منه فيسترقه سنة ، وكان ذلك سنة آل يعقوب في حكم السارق ، وكان حكم ملك مصر أن يضرب السارق ويغرم ضعفي قيمة المسروق ، فأراد يوسف أن يحبس أخاه عنده ، فرد الحكم إليهم ليتمكن من حبسه عنده على حكمهم . { وكذلك نجزي الظالمين } ، الفاعلين ما ليس لهم فعله من سرقة مال الغير . فقال الرسول عند ذلك : لا بد من تفتيش أمتعتكم . فأخذ في تفتيشها . وروي أنه ردهم إلى يوسف فأمر بتفتيش أوعيتهم بين يديه .
وهنا ينكشف طرف التدبير الذي ألهمه الله يوسف . فقد كان المتبع في دين يعقوب : أن يؤخذ السارق رهينة أو أسيرا أو رقيقا في مقابل ما يسرق . ولما كان أخوة يوسف موقنين بالبراءة ، فقد ارتضوا تحكيم شريعتهم فيمن يظهر أنه سارق . ذلك ليتم تدبير الله ليوسف وأخيه :
( قالوا : جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه . كذلك نجزي الظالمين ) . .
{ قالوا جزاؤه من وُجد في رحله فهو جزاؤه } أي جزاء سرقته أخذ من وجد في رحله واسترقاقه ، هكذا كان شرع يعقوب عليه الصلاة والسلام . وقوله { فهو جزاؤه } تقرير للحكم وإلزام له ، أو خبر { من } والفاء لتضمنها معنى الشرط أو جواب لها على أنها شرطية . والجملة كما هي خبر { جزاؤه } على إقامة الظاهر فيها مقام الضمير كأنه قيل : جزاؤه من وجد في رحله فهو هو . { كذلك نجزي الظالمين } بالسرقة .
قوله : { جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه } . { جزاؤه } الأول مبتدأ ، و { مَن } يجوز أن تكون شرطية وهي مبتدأ ثان وأن جملة { وجد في رحله } جملة الشرط وجملة { فهو جزاؤه } جواب الشرط ، والفاء رابطة للجواب ، والجملة المركبة من الشرط وجوابه خبر عن المبتدإ الأول . ويجوز أن تكون { من } موصولة مبتدأ ثانياً ، وجملة { وجد في رحله } صلة الموصول . والمعنى أن من وجد في رحله الصوَاع هو جزاء السرقة ، أي ذاته هي جزاء السرقة ، فالمعنى أن ذاته تكون عِوضاً عن هذه الجريمة ، أي أن يصير رفيقاً لصاحب الصواع ليتمّ معنى الجزاء بذات أخرى . وهذا معلوم من السياق إذ ليس المراد إتلاف ذات السارق لأن السرقة لا تبلغ عقوبتها حدّ القتل .
فتكون جملة { فهو جزاؤه } توكيداً لفظياً لجملة { جزاؤه من وجد في رحله } ، لتقرير الحكم وعدم الانفلات منه ، وتكون الفاء للتفريع تفريع التأكيد على الموكّد . وقد حَكَم إخوة يوسف عليه السلام على أنفسهم بذلك وتراضوا عليه فلزمهم ما التزموه .
ويظهر أن ذلك كان حُكماً مشهوراً بين الأمم أن يسترقَّ السارق . وهو قريب من استرقاق المغلوب في القتال . ولعله كان حكماً معروفاً في مصر لما سيأتي قريباً عند قوله تعالى : { ما كان ليأخذ أخاه في دِين الملك } [ سورة يوسف : 76 ] .
وجملة { كذلك نجزي الظالمين } بقيمة كلام إخوة يوسف عليه السلام ، أي كذلك حُكْم قومنا في جزاء السارق الظالم بسرقته ؛ أو أرادوا أنه حكم الإخوة على من يقدّر منهم أن يظهر الصواع في رحله ، أي فهو حقيق لأن نجزيه بذلك .
والإشارة ب { كذلك } إلى الجزاء المأخوذ من { نجزي } ، أي نجزي الظالمين جزاءً كذلك الجزاء ، وهو من وُجد في رحله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.