البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَالُواْ جَزَـٰٓؤُهُۥ مَن وُجِدَ فِي رَحۡلِهِۦ فَهُوَ جَزَـٰٓؤُهُۥۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلظَّـٰلِمِينَ} (75)

وقوله : هو الظاهر لاتحاد الضمائر في قوله : قالوا جزاؤه من وجد في رحله ، إذ التقدير إذ ذاك قال : جزاء الصاع ، أي : سرقته من وجد الصاع في رحله .

وقولهم : جزاؤه من وجد في رحله ، كلام من لم يشك أنهم برآء مما رموا به ، ولاعتقادهم البراءة علقوا الحكم على وجدان الصاع لا على سرقته ، فكأنهم يقولون : لا يمكن أن نسرق ، ألا يمكن أن يوجد الصاع في رحالنا .

وكان في دين يعقوب استعباد السارق .

قال الزمخشري : سنة ، وكان في دين مصر أن يضرب ويضعف عليه الغرم ، ولذلك أجابوا على شريعتهم ، وجوزوا في إعراب هذا الكلام وجوهاً : أحدها : أن يكون جزاؤه مبتدأ ، ومن شرطية أو موصولة مبتدأ ثان ، فهو جزاؤه جواب الشرط ، أو خبر ما الموصولة ، والجملة من قوله : من وجد إلى آخره خبر المبتدأ الأول ، والضمير في قالوا : جزاؤه للسارق قاله ابن عطية : وهذا لا يصح لخلو الجملة الواقعة خبر جزاؤه من رابط .

الثاني : أنّ المعنى قالوا : جزاء سرقته ، ويكون جزاؤه مبتدأ ، والجملة الشرطية كما هي خبره على إقامة الظاهر فيها مقام المضمر .

والأصل جزاؤه من وجد في رحله ، فهو هو .

فموضع الجزاء موضع هو ، كما تقول لصاحبك : من أخو زيد ؟ فتقول : أخوه من يقعد إلى جنبه ، فهو هو يرجع الضمير الأول إلى من ، والثاني إلى الأخ .

ثم تقول : فهو أخوه مقيماً للمظهر مقام المضمر قاله الزمخشري .

ووضع الظاهر موضع المضمر للربط إنما هو فصيح في مواضع التفخيم والتهويل ، وغير فصيح فيما سوى ذلك نحو : زيد قام زيد .

وينزه القرآن عنه .

قال سيبويه : لو قلت كان زيد منطلقاً زيد ، لم يكن ضد الكلام ، وكان ههنا ضعيفاً ، ولم يكن كقولك : ما زيد منطلقاً هو ، لأنك قد استغنيت عن إظهاره ، وإنما ينبغي لك أن تضمره .

الثالث : أن يكون جزاؤه خبر مبتدأ محذوف أي المسؤول عنه جزاؤه ثم أفتوا بقولهم من وجد في رحله فهو جزاؤه كما تقول : من يستفتي في جزاء صيد الحرم جزاء صيد الحرم ، ثم تقول : { ومن قتله منكم متعمداً فجزآء مثل ما قتل من النعم } قاله الزمخشري .

وهو متكلف ، إذ تصير الجملة من قوله : المسؤول عنه جزاؤه ، على هذا التقدير ليس فيه كثير فائدة ، إذ قد علم من قوله : فما جزاؤه أنّ الشيء المسؤول عنه جزاء سرقته ، فأي فائدة في نطقهم بذلك ؟ وكذلك القول في المثال الذي مثل به من قول المستفتي .

الرابع : أن يكون جزاؤه مبتدأ أي : جزاء سرقة الصاع ، والخبر من وجد في رحله أي : أخذ من وجد في رحله .

وقولهم : فهو جزاؤه ، تقرير لحكم أي : فأخذ السارق نفسه هو جزاؤه لا غير كقولك : حق زيد أن يكسى ويطعم وينعم عليه فذلك جزاؤه ، أو فهو حقه ، لتقرر ما ذكرته من استحقاقه قاله الزمخشري ، وقال معناه ابن عطية إلا أنه جعل القول الواحد قولين قال : ويصح أن يكون من خبراً على أنّ على أنّ المعنى جزاء السارق من وجد في رحله عائد على من ، ويكون قوله : فهو جزاؤه ، زيادة بيان وتأكيد .

ثم قال : ويحتمل أن يكون التقدير جزاؤه استرقاق من وجد في رحله ، ثم يؤكد بقوله : فهو جزاؤه .

وهذا القول هذا الذي قبله ، غير أنه أبرز المضاف المحذوف في قوله : استرقاق من وجد في رحله ، وفيما قبله لا بد من تقديره ، لأنّ الذات لا تكون خبراً عن المصدر ، فالتقدير في القول قبله جزاؤه أخذ من وجد في رحله ، أو استرقاق هذا لا بد منه على هذا الإعراب .

وهذا الوجه هو أحسن الوجوه ، وأبعدها من التكلف .

كذلك أي : مثل الجزاء ، وهو الاسترقاق .

نجزي الظالمين أي بالسرقة وهو ديننا وسنتنافى أهل السرقة .