قوله تعالى : { قال الملأ } ، قرأ ابن عامر : وقال الملأ بالواو .
قوله تعالى : { الذين استكبروا من قومه } ، يعني الأشراف والقادة والذين تعظموا عن الإيمان بصالح .
قوله تعالى : { للذين استضعفوا } ، يعني الأتباع .
قوله تعالى : { لمن آمن منهم } ، يعني : قال الكفار للمؤمنين .
وهنا كذلك نلمح فجوة في السياق على سبيل الإيجاز والاختصار . فقد آمنت طائفة من قوم صالح ، واستكبرت طائفة . والملأ هم آخر من يؤمن بدعوة تجردهم من السلطان في الأرض ، وترده إلى إله واحد هو رب العالمين ! ولا بد أن يحاولوا فتنة المؤمنين الذين خلعوا ربقة الطاغوت من أعناقهم بعبوديتهم لله وحده ، وتحرروا بذلك من العبودية للعبيد !
وهكذا نرى الملأ المستكبرين من قوم صالح يتجهون إلى من أمن من الضعفاء بالفتنة والتهديد :
( قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا - لمن آمن منهم - : أتعلمون أن صالحاً مرسل من ربه ؟ ) . .
وواضح أنه سؤال للتهديد والتخويف ، ولاستنكار إيمانهم به ، وللسخرية من تصديقهم له في دعواه الرسالة من ربه .
ولكن الضعاف لم يعودوا ضعافاً ! لقد سكب الإيمان بالله القوة في قلوبهم ، والثقة في نفوسهم ، والاطمئنان في منطقهم . . إنهم على يقين من أمرهم ، فماذا يجدي التهديد والتخويف ؟ وماذا تجدي السخرية والاستنكار . . من الملأ المستكبرين ؟ :
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ الْمَلاُ الّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنّ صَالِحاً مّرْسَلٌ مّن رّبّهِ قَالُوَاْ إِنّا بِمَآ أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ قال الذين استكبروا إنا بالذي ءامنتم به كافرين } .
يعني جلّ ثناؤه بقوله : قالَ المَلأُ الّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ قال الجماعة الذين استكبروا من قوم صالح عن اتّباع صالح والإيمان بالله وبه ، للّذِينَ اسْتُضْعِفُوا يعني : لأهل المسكنة من تباع صالح والمؤمنين به منهم ، دون ذوي شرفهم وأهل السؤدد منهم : أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه أرسله الله إلينا وإليكم ؟ قال الذين آمنوا بصالح من المستضعفين منهم : إنا بما أَرْسَلَ الله به صالحا من الحقّ والهدى مؤمنون يقول : مصدّقون مقرّون أنه من عند الله وأن الله أمر به وعن أمر الله دعانا صالح إليه .
عَدَل الملأُ الّذين استكبروا عن مجادلة صالح عليه السّلام إلى اختبار تصلّب الذين آمنوا به في إيمانهم ، ومحاولة إلقاء الشكّ في نفوسهم ، ولما كان خطابهم للمؤمنين مقصوداً به إفساد دعوة صالح عليه السلام كان خطابهم بمنزلة المحاورة مع صالح عليه السّلام ، فلذلك فصلت جملة حكاية قولهم على طريقة فصْل جُمل حكاية المحاورات ، كما قدّمناه غير مرّة آنفاً وفيما مضى .
ووَصْفُهم بالذين استكبروا هنا لتفظيع كبرهم وتعاظمهم على عامة قومهم واستذلالهم إياهم . وللتّنبيه على أنّ الذين آمنوا بما جاءهم به صالح عليه السلام هم ضعفاء قومه .
واختيار طريق الموصولية في وصفهم ووصففِ الآخرين بالذين استضعفوا لما تُومىء إليه الصّلة من وجه صدور هذا الكلام منهم ، أي أن اسكبارهم هو صارفهم عن طاعة نبيئهم ، وأنّ احتقارهم المؤمنين هو الذي لم يُسغ عندهم سبقَهم إياهم إلى الخير والهدى ، كما حكى عن قوم نوح قولهم : { وما نراك اتبعك إلاّ الذين هم أراذلنا باديَ الرأي وما نرى لكم علينا من فضل } [ هود : 27 ] وكما حكى عن كفّار قريش بقوله : { وقال الذين كفروا للّذين آمنوا لو كان خيراً مَا سبقونا إليه وإذْ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم } [ الأحقاف : 11 ] ، ولهذا لم يوصفوا بالكفر كما وصف به قوم هود .
والذين استُضعفوا هم عامّة النّاس الذين أذلّهم عظماؤهم واستعبدوهم لأنّ زعامة الذين استكبروا كانت قائمة على السّيادة الدّنيوية الخلية عن خلال الفضيلة ، من العَدل والرأفة وحبّ الإصلاح ، فلذلك وصف الملأُ بالّذين استكبروا ، وأطلق على العامة وصف الذين استُضعفوا .
واللاّم في قوله : { للذين استضعفوا } لتعدية فعل القول .
وقوله : { لمن آمن منهم } بدل من { للذين استضعفوا } بإعادة حرف الجرّ الذي جرّ بمثله المبدل منه .
والاستفهام في { أتعلمون } للتشكيك والإنكار ، أي : ما نظنّكم آمنتم بصالححٍ عليه السّلام عن علم بصدقه ، ولكنّكم اتَّبعتموه عن عمى وضلال غير موقنين ، كما قال قوم نوح عليه السّلام : { وما نَراك اتبعك إلاّ الذين هم أراذلنا بادي الرأي } [ هود : 27 ] وفي ذلك شَوب من الاستهزاء .
وقد جيء في جواب { الذين استضعفوا } بالجملة الاسميّة للدّلالة على أنّ الإيمان متمكّن منهم بمَزيد الثّبات ، فلم يتركوا للذين استكبروا مطمعاً في تشكيكهم ، بلْه صرفهم عن الإيمان برسولهم .
وأكّد الخبر بحرف ( إنّ ) لإزالة ما توهّموه من شكّ الذين استكبروا في صحّة إيمانهم ، والعدول في حكاية جواب الذين استضعفوا عن أن يكون بنعم إلى أن يكون بالموصول صلته لأن الصلة تتضمن إدماجاً بتصديقهم بما جاء به صالح من نحو التوحيد وإثبات البعث ، والدلالة على تمكنهم من الإيمان بذلك كله بما تفيده الجملة الاسمية من الثبات والدوام وهذا من بليغ الايجاز المناسب لكون نسج هذه الجملة من حكاية القرآن لا من المحكي من كلامهم إذ لا يظن أن كلامهم بلغ من البلاغة هذا المبلغ ، وليس هو من الأسلوب الحكيم كما فهمه بعض المتأخرين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.