قوله تعالى : { وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا } أي : ويرجع إلى أهله في الجنة . قاله قتادة ، والضحاك ، { مَسْرُورًا } أي : فرحان مغتبطا بما أعطاه الله عز وجل .
وقد روى الطبراني عن ثوبان - مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم - أنه قال : إنكم تعملون أعمالا لا تعرف ، ويوشك العازب{[29884]} أن يثوب إلى أهله ، فمسرور ومكظوم{[29885]} .
وقوله : وَيَنْقَلِبُ إلى أهْلِهِ مَسْرُورا يقول : وينصرف هذا المحاسَبُ حسابا يسيرا إلى أهله في الجنة مسرورا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَيَنْقَلِبُ إلى أهْلِهِ مَسْرُورا قال : إلى أهل أعدّ الله لهم الجنة .
و { ينقلب إلى أهله } أي يرجع . والانقلاب : الرجوع إلى المكان الذي جيء منه ، وقد تقدم قريباً في سورة المطففين .
والأهل : العشيرة من زوجة وأبناء وقرابة .
وهذا التركيب تمثيل لحال المحاسَب حساباً يسيراً في المسرّة والفوز والنجاة بعد العمل الصالح في الدنيا ، بحال المسافر لتجارة حين يرجع إلى أهله سالماً رابحاً لما في الهيئة المشبه بها من وفرة المسرة بالفوز والربح والسلامة ولقاء الأهل وكلهم في مسرة ، فذلك وجه الشبه بين الهيْأتين وهو السرور المألوف للمخاطبين فالكلام استعارة تمثيلية .
وليس المراد رجوعه إلى منزله في الجنة لأنه لم يكن فيه من قبل حتى يقال لمصيره إليه انقلاب ، ولأنه قد لا يكون له أهل . وهو أيضاً كناية عن طول الراحة لأن المسافر إذا رجع إلى أهله فارق المتاعب زمان .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وينصرف هذا المحاسَبُ حسابا يسيرا إلى أهله في الجنة مسرورا...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
وقال في شأن الذي {أوتي كتابه وراء ظهره} {فسوف يدعوا ثبورا} {ويصلى سعيرا}: [الآيات: 10 – 12] إنه كان في أهله مسرورا. فهذا لأن المسلم إنما تأهل على قصد تحصيل النفع لنفسه في العاقبة، وتكون معينة له على أمور الآخرة، فحصل له ذلك النفع بإحرازه السرور الدائم بذلك. والكافر تأهل للمنافع الحاضرة، وسر بأهله سرورا، أنساه السرور أمر العاقبة، فحق عليه العذاب لتركه السعي للآخرة لا لسروره بأهله، وهو كقوله تعالى: {من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد} الآية [الإسراء: 18]. والكل منا يريد العاجلة، ولا بد له منها، لكن الذي يصلى جهنم، هو الذي ابتغى العاجلة ابتغاء أنساه ذلك الآخرة، فكذلك المسرور بأهله، إنما حلت به النقمة لما منعه السرور عن النظر للعاقبة لا لنفس السرور، إذ كل متأهل، لا يخلو عن السرور بأهله، والله أعلم...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
أي فرحا مستبشرا. وقيل المراد بالأهل -ههنا- هم الذين أعد الله لهم من الحور العين، ويجوز أن يكون المراد أقاربه إذا كانوا من أهل الجنة. والسرور: هو الاعتقاد أو العلم بوصول نفع إليه في المستقبل أو دفع ضرر عنه. وقال قوم: هو معنى في القلب يلتذ لأجله بنيل المشتهى...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{إلى أَهْلِهِ} إلى عشيرته إن كانوا مؤمنين. أو إلى فريق المؤمنين...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{وينقلب} أي يرجع من نفسه من غير مزعج برغبة وقبول {إلى أهله} أي الذين أهله الله بهم في الجنة فيكون أعرف بهم وبمنزله الذي أعد له منه بمنزله في الدنيا. ولما كانت السعادة في حصور السرور من غير قيد، بنى للمفعول قوله: {مسروراً} أي- قد أوتي جنة وحريراً، فإنه كان في الدنيا في أهله مشفقاً من العرض على الله مغموماً مضروراً يحاسب نفسه بكرة وعشياً حساباً عسيراً...
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
وإن لم يكونوا عشيرته إذ كل المؤمنين أهل للمؤمن من جهة الاشتراك في الإيمان...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
من الناجين الذين سبقوه إلى الجنة.. وهو تعبير يفيد تجمع المتوافقين على الإيمان والصلاح من أهل الجنة. كل ومن أحب من أهله وصحبه. ويصور رجعة الناجي من الحساب إلى مجموعته المتآلفة بعد الموقف العصيب. رجعته متهللا فرحا مسرورا بالنجاة واللقاء في الجنان!...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
أي يرجع. والانقلاب: الرجوع إلى المكان الذي جيء منه، وقد تقدم قريباً في سورة المطففين. والأهل: العشيرة من زوجة وأبناء وقرابة. وهذا التركيب تمثيل لحال المحاسَب حساباً يسيراً في المسرّة والفوز والنجاة بعد العمل الصالح في الدنيا، بحال المسافر لتجارة حين يرجع إلى أهله سالماً رابحاً لما في الهيئة المشبه بها من وفرة المسرة بالفوز والربح والسلامة ولقاء الأهل وكلهم في مسرة، فذلك وجه الشبه بين الهيْأتين وهو السرور المألوف للمخاطبين فالكلام استعارة تمثيلية. وليس المراد رجوعه إلى منزله في الجنة لأنه لم يكن فيه من قبل حتى يقال لمصيره إليه انقلاب، ولأنه قد لا يكون له أهل. وهو أيضاً كناية عن طول الراحة لأن المسافر إذا رجع إلى أهله فارق المتاعب زمان...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
وليس أهله إلا الذين ارتضاهم الله أهلاً له في مجتمع الجنة، الذي يضمّ الحور العين، والولدان المخلدين، والملائكة المقربين، والصالحين من أزواج المؤمنين وأولادهم وآبائهم... ليتلقّاهم بوجهٍ طافحٍ بالسرور، وقلبٍ مملوءٍ بالشعور بالسعادة، بما غفر الله له من ذنبه، وبما خفَّف عنه من حسابه، وما أولاه من فضله في نعيم جنته...