{ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ } أي : صاحب العرش العظيم ، الذي من عظمته ، أنه وسع السماوات والأرض والكرسي ، فهي بالنسبة إلى العرش كحلقة ملقاة في فلاة ، بالنسبة لسائر الأرض ، وخص الله العرش بالذكر ، لعظمته ، ولأنه أخص المخلوقات بالقرب منه تعالى ، وهذا على قراءة الجر ، يكون { المجيد } نعتا للعرش ، وأما على قراءة الرفع ، فإن المجيد نعت{[1402]} لله ، والمجد سعة الأوصاف وعظمتها .
وقوله : ذُو الْعَرْشِ المَجِيدُ يقول تعالى ذكره : ذو العرش الكريم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : ذُو العَرْشِ المَجِيدُ يقول : الكريم .
واختلفت القرّاء في قراءة قوله : المَجِيدُ فقرأته عامة قرّاء المدينة ومكة والبصرة وبعض الكوفيين رفعا ، ردّا على قوله : ذُو الْعَرْشِ على أنه من صفة الله تعالى ذكره . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة خفضا ، على أنه من صفة العرش .
والصواب من القول في ذلك عندنا : أنهما قراءتان معروفتان ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب .
وخصص { العرش } بإضافة نفسه إليه تشريفاً ، وتنبيهاً على أنه أعظم المخلوقات ، وقرأ حمزة والكسائي والمفضل عن عاصم والحسن وابن وثاب والأعمش وعمرو بن عبيد : «المجيد » بخفض الدال صفة للعرش ، وهذا على أن المجد والتمجيد قد يوصف به كثير من الجمادات ، وقد قالوا مجدت الدابة إذا سمنت ، وأمجدتها إذا أحسنت علفها ، وقالوا : في كل شجر نار ، واستمجد المرخ والعفار{[11729]} : كثرت نارهما ، وقرأ الباقون والجمهور : «ذو العرش » ، وروى ابن عباس : «ذي العرش » نعتاً لقوله { إن بطش ربك } .
و { العرش } : اسم لعالَم يحيط بجميع السماوات ، سمي عرشاً لأنه دال على عظمة الله تعالى كما يدل العَرش على أن صاحبه من الملوك .
و { المجيد } : العظيم القويُّ في نوعه ، ومن أمثالهم : « في كل شجر نارٌ ، واستَمْجَد المرْخُ والعَفَار » وهما شجران يكثر قدح النار من زندهما .
وقرأه الجمهور بالرفع على أنه خبر رابع عن ضمير الجلالة . وقرأه حمزة والكسائي وخَلف بالجر نعتاً للعرش فوصف العرش بالمجد كناية عن مجد صاحب العرش .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
عظم الرب تبارك وتعالى نفسه فقال: {ذو العرش} فإنه ما خلق الله عز وجل خلقا أعظم من العرش لأن السماوات والأرض قد غابتا تحت العرش كالحلقة في الأرض الفلاة.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
فمنهم من جعل المجيد نعتا للعرش، ومنهم من جعله نعتا لله تعالى؛ فمن جعله [نعتا] للعرش، فهو مستقيم، لأنه وصفه في مكان آخر بالكريم بقوله: {لا إله إلا هو رب العرش الكريم} [المؤمنون: 116] والمجيد يقرب معناه لمعنى الكريم [لأن الكريم] هو الذي عظم قدره وشرفه، والمجيد كذلك هو الشريف المعظم، وعظم قدر العرش في قلوب الخلق وعلا... والكريم في الشاهد، هو الذي يطمع عنده وجود ما يرجى، ويؤمل، ويؤمن منه ما يتقى ويحذر...
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
فيه وجهان: أحدهما: الكريم، قاله ابن عباس. الثاني: العالي، ومنه المجد لعلوه وشرفه.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
ذو المُلْكِ الرفيع، والمَجْد الشريف...
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :
{ذو العرش} خالقه ومالكه {المجيد} المستحق لكمال صفات العلو والمدح...
جهود الإمام الغزالي في التفسير 505 هـ :
المجيد: يدل على سعة الإكرام مع شرف الذات. (نفسه: 2 ص: 66)...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
ومجد الله عظمته ومجد العرش: علوه وعظمته...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وخصص {العرش} بإضافة نفسه إليه تشريفاً، وتنبيهاً على أنه أعظم المخلوقات...
قال القفال: ذو العرش أي ذو الملك والسلطان كما يقال: فلان على سرير ملكه، وإن لم يكن على السرير، وكما يقال: ثل عرش فلان إذا ذهب سلطانه، وهذا معنى متفق على صحته، وقد يجوز أن يكون المراد بالعرش السرير، ويكون جل جلاله خلق سريرا في سمائه في غاية العظمة والجلالة بحيث لا يعلم عظمته إلا هو ومن يطلعه عليه...
ثم قالوا: إن مجد الله عظمته بحسب الوجوب الذاتي وكمال القدرة والحكمة والعلم، وعظمة العرش علوه في الجهة وعظمة مقداره وحسن صورته وتركيبه...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ذو العرش} أي العز الأعظم أو السرير الدال على اختصاصه الملك بالملك وانفراده بالتدبير والسيادة والسياسة، الذي به قوام الأمور {المجيد} أي الشريف الكريم العظيم في ذاته وصفاته الحسن الجميل الرفيع العالي الكثير العطاء...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
و {العرش}: اسم لعالَم يحيط بجميع السماوات، سمي عرشاً لأنه دال على عظمة الله تعالى كما يدل العَرش على أن صاحبه من الملوك. و {المجيد}: العظيم القويُّ في نوعه...