( وأنا اخترتك ) . . فيا للتكريم ! يا للتكريم أن يكون الله بذاته هو الذي يختار . يختار عبدا من العبيد هو فرد من جموع الجموع . . تعيش على كوكب من الكواكب هو ذرة في مجموعة . المجموعة هي ذرة في الكون الكبير الذي قال له الله : كن . . فكان ! ولكنها رعاية الرحمن لهذا الإنسان !
وبعد إعلانه بالتكريم والاختيار ، والاستعداد والتهيؤ بخلع نعليه ، يجيء التنبيه للتلقي :
وقوله : { وَأَنَا اخْتَرْتُكَ } كقوله { إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي } [ الأعراف : 144 ] أي : على جميع الناس من الموجودين في زمانه .
و[ قد ]{[19228]} قيل : إن الله تعالى قال : يا موسى ، أتدري لم خصصتك بالتكليم من بين الناس ؟ [ قال : لا . قال : ] {[19229]} لأني لم يتواضع لي أحد تواضعك .
وقوله : { فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى } أي : اسمع الآن ما أقول لك وأوحيه إليك .
قوله { وأنَا اخْتَرْتُكَ } أخبر عن اختيار الله تعالى موسى بطريق المسند الفعلي المفيد تقوية الحكم ، لأنّ المقام ليس مقام إفادة التخصيص ، أي الحصر نحو : أنا سعيت في حاجتك ، وهو يعطي الجزيل . وموجِب التقوّي هو غرابة الخبر ومفاجأته به دفعاً لتطرّق الشك في نفسه .
والاختيار : تكلف طلب ما هو خير . واستعملت صيغة التكلف في معنى إجادة طلب الخير .
وفُرع على الإخبار باختياره أن أُمِر بالاستماع للوحي لأنه أثر الاختيار إذ لا معنى للاختيار إلاّ اختياره لتلقي ما سيوحي الله .
والمراد : ما يوحى إليه حينئذ من الكلام ، وأما ما يوحى إليه في مستقبل الأيام فكونه مأموراً باستماعه معلوم بالأحْرى .
وقرأ حمزة وحده { وأنّا اخترناك } بضميري التعظيم .
واللام في { لِمَا يُوحَى } للتقوية في تعدية فعل « استمع » إلى مفعوله ، فيجوز أن تتعلق باخْتَرْتُكَ ، أي اخترتك للوحي فاستمع ، معترضاً بين الفعل والمتعلّق به . ويجوز أن يضمّن استمع معنى أصْغغِ .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
تأويل الكلام: نودي أنّا اخترناك. فاجتبيناك لرسالتنا إلى من نرسلك إليه "فاسْتَمِعْ إلى ما يُوحَى "يقول: فاستمع لوحينا الذي نوحيه إليك وعه، واعمل به.
... معناه: اخترتك للرسالة وللكلام الذي خصصتك به، وهذه الآية تدل على أن النبوة لا تحصل بالاستحقاق؛ لأن قوله: {وأنا اخترتك} يدل على أن ذلك المنصب العلي إنما حصل لأن الله تعالى اختاره له ابتداء لا أنه استحقه على الله تعالى...
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
" فاستمع لما يوحى "لأن بذلك ينال الفهم عن الله تعالى...
فإذا استمع العبد إلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام بنية صادقة على ما يحب الله أفهمه كما يحب، وجعل له في قلبه نورا.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان المعنى: فإني اخترته تشريفاً له من بين البقاع لمناجاتك، عطف عليه قوله: {وأنا اخترتك} أي للنبوة {فاستمع} أي أنصت ملقياً سمعك معملاً قلبك للسماع {لما} أي اخترتك للذي، وقدم استمع اهتماماً به {يوحى} أي يقال لك مني سراً مستوراً عن غيرك سماعه وإن كان في غاية الجهر، كما يفعل الحبيب مع حبيبه من صيانة حديثهما عن ثالث بما يجعل له من الخلوة إعلاماً بعلو قدره وفخامة أمره.
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
... وقصارى ذلك: لقد جاءك أمر عظيم فتأهب له، واجعل كل خاطرك مصروفا إليه..
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
... (وأنا اخترتك).. فيا للتكريم! يا للتكريم أن يكون الله بذاته هو الذي يختار. يختار عبدا من العبيد هو فرد من جموع الجموع.. تعيش على كوكب من الكواكب هو ذرة في مجموعة. المجموعة هي ذرة في الكون الكبير الذي قال له الله: كن.. فكان!.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
قوله {وأنَا اخْتَرْتُكَ} أخبر عن اختيار الله تعالى موسى بطريق المسند الفعلي المفيد تقوية الحكم، لأنّ المقام ليس مقام إفادة التخصيص، أي الحصر نحو: أنا سعيت في حاجتك، وهو يعطي الجزيل. وموجِب التقوّي هو غرابة الخبر ومفاجأته به دفعاً لتطرّق الشك في نفسه.
والاختيار: تكلف طلب ما هو خير. واستعملت صيغة التكلف في معنى إجادة طلب الخير.
وفُرع على الإخبار باختياره أن أُمِر بالاستماع للوحي لأنه أثر الاختيار إذ لا معنى للاختيار إلاّ اختياره لتلقي ما سيوحي الله.
والمراد: ما يوحى إليه حينئذ من الكلام، وأما ما يوحى إليه في مستقبل الأيام فكونه مأموراً باستماعه معلوم بالأحْرى.
وقرأ حمزة وحده {وأنّا اخترناك} بضميري التعظيم.
واللام في {لِمَا يُوحَى} للتقوية في تعدية فعل « استمع» إلى مفعوله، فيجوز أن تتعلق ب" اخْتَرْتُكَ"، أي اخترتك للوحي فاستمع، معترضاً بين الفعل والمتعلّق به. ويجوز أن يضمّن استمع معنى أصْغِ.
أي: وإن كنت ربا لك وربا للكافرين فسوف أزيدك خصوصية لك {وأنا اخترتك} أي: للرسالة، والله أعلم حيث يجعل رسالته...
{فاستمع لما يوحى} ومعنى: استمع أي: جند كل جوارحك، وهيئ كل حواسك لأن تسمع..وقوله تعالى: {لما يوحى}: الوحي عموما: إعلام بخفاء من أي لأي في أي، خيرا كان أم شرا، أما الوحي الشرعي فهو: إعلام من الله إلى رسول أرسله بمنهج خير للعباد...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{وَأَنَا اخْتَرْتُكَ} لتكون رسولاً من قبلي إلى فرعون لتقوده إلى الإيمان ولتردعه عن الطغيان، وإلى هذا الشعب الذي عاش العبودية في عمق ذاته حتى أصبحت جزءاً من كيانه، بما يقدمه من فروض الطاعة لمستعبديه دون إحساس بضرورة الثورة أمام المستعبدين لنيل الحرية التي تستقيم من خلالها إنسانيتهم. وأنا اخترتك لتكون رسولاً إلى الحياة كلها، ليستقيم لها الطريق من خلال رسالتك وشريعتك، ولتنتظم خطواتها في الخط المستقيم...