اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَأَنَا ٱخۡتَرۡتُكَ فَٱسۡتَمِعۡ لِمَا يُوحَىٰٓ} (13)

قوله تعالى{[23359]} : { وَأنَا اخْتَرْتُكَ }{[23360]} أي للرسالة والكلام .

قرأ حمزة " وَ " أنَّا اخْتَرْنَاكَ " بفتح الهمزة فضمير المتكلم المعظم نفسه{[23361]} .

وقرأ السلمي والأعمش وابن هرمز كذلك إلا أنهم كسروا الهمزة{[23362]} .

والباقون : " وَأنَا اخْتَرْتُكَ " بضمير المتكلم وحده{[23363]} . وقرئ " أَنِّي اخْتَرْتُكَ " بفتح الهمزة{[23364]} .

فأما قراءة حمزة فعطف على قوله { أنِّي رَبُّكَ أَنَا رَبُّكَ } وذلك أنه يفتح الهمزة هناك ففعل ذلك لما عطف غيرها عليها{[23365]} . وجوز أبو البقاء أن يكون الفتح على تقدير : وَلأنّا اخْتَرْنَاكَ فَاسْتَمِعْ ، فعلقه باسْتَمِعْ{[23366]} . والأول أولى .

ومن كسرها فلأنه يقرأ " إنِّي أنَا رَبُّكَ " بالكسر{[23367]} . وقراءة أُبي كقراءة حمزة بالنسبة للعطف{[23368]} . ومفعول " اخْتَرْتُكَ " الثاني محذوف ، أي اخترتك من قومك{[23369]} .

قوله : { لِمَا يُوحَى } الظاهر تعلقه ب " اسْتَمِع " ويجوز أن تكونَ اللام مزيدة في المفعول على حد قوله تعالى { رَدِفَ لَكُمْ }{[23370]} وجوَّز الزمخشري وغيره أن تكون المسألة من باب التنازع بين " اخْتَرْتُكَ " وبين " اسْتَمِعْ " كأنه قيل : " اخْتَرْتُكَ لِمَا يُوحَى فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى " . قال الزمخشري : فعلق اللام باسْتَمِعْ أو باخْتَرْتُكَ{[23371]} وقد رد أبو حيان هذا بأن قال : ولا يجوز التعليق باخْتَرْتُكَ لأنه من باب الإعمال فكان يجب{[23372]} أو يختار إعادة الضمير مع الثاني ، فكان يكون : فاسْتَمِعْ لَهُ لِمَا يُوحَى ، فدل على أنه من باب إعمال الثاني{[23373]} .

قال شهاب الدين : والزمخشري عنى التعليق المعنوي من حيث الصلاحية وأما تقدير الصناعة فلم يَعْنِهِ{[23374]} .

( و " ما " ){[23375]} يجوز أن تكون مصدرية وبمعنى الذي ، أي فاسْتَمِعْ للوحي أو للذي يوحى{[23376]} ){[23377]} .

فصل{[23378]}

هذه الآية تدل على النبوة لا تحصل بالاستحقاق ، لأن قوله : { وَأَنَا اخْتَرْتُكَ } يدل على أن ذلك المنصب{[23379]} العالي إنما حَصَل لأنه تعالى اختاره له ابتداء لا أنه يستحقه على الله تعالى .

وقوله{[23380]} : { فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى } أي : إليك فيه نهاية الهيبة والجلالة كأنه قال : لَقَدْ جَاءَك أمْرٌ فتأهَّبْ له ، واجعَلْ كلَّ عقلك{[23381]} وخاطرِك مصروفاً إليه .


[23359]:تعالى: سقط من ب.
[23360]:في ب: "وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى".
[23361]:السبعة (317). الحجة لابن خالويه (240)، الكشف 2/97، النشر 2/320، الإتحاف (302).
[23362]:البحر المحيط 6/231.
[23363]:السبعة (417)، الحجة لابن خالويه (240)، الكشف 2/97، النشر 2/320، الإتحاف (302).
[23364]:وهي قراءة أبي انظر البحر المحيط 6/231.
[23365]:قال أبو البقاء: (ويجوز أن يكون معطوفا على "أنّي" أي بأنّي أنا ربك وبأنا اخترناك" التبيان 2/886.
[23366]:قال أبو البقاء: (ويقرأ وأنا اخترناك على الجمع، والتقدير: لأنا اخترناك فاستمع فاللام تتعلق باستمع) التبيان 2/886.
[23367]:انظر البحر المحيط 6/231.
[23368]:قال أبو حيان: (وقرأ أبي وأني بفتح الهمزة وياء المتكلم "اخترتك" بالتاء عطفا) البحر المحيط 6/231.
[23369]:انظر البحر المحيط 6/231.
[23370]:من قوله تعالى: {قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون} [النمل: 72].. والاستشهاد بالآية على أن اللام من (لكم) زائدة والتقدير ردفكم. ويجوز ألا تكون اللام زائدة، ويحمل الفعل على معنى دنا لكم، أو قرب من أجلكم. انظر التبيان 2/1013.
[23371]:الكشاف 2/429.
[23372]:في البحر المحيط : فيجب.
[23373]:البحر المحيط 6/231.
[23374]:انظر الدر المصون 5/21.
[23375]:في النسختين: "وأنا"، والصواب ما أثبته، ولعله سهو من الناسخ.
[23376]:انظر الكشاف 2/429.
[23377]:ما بين القوسين سقط من ب.
[23378]:هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 22/19.
[23379]:في ب: النصيب.
[23380]:وقوله: سقط من ب.
[23381]:في ب: فعلك.