{ وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ ْ } وهذا وصف لكل مخلوق ، أنه لا ينفع ولا يضر ، وإنما النافع الضار ، هو الله تعالى .
{ فَإِنْ فَعَلْتَ ْ } بأن{[421]} دعوت من دون الله ، ما لا ينفعك ولا يضرك { فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ ْ } أي : الضارين أنفسهم بإهلاكها ، وهذا الظلم هو الشرك كما قال تعالى : { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ْ } فإذا كان خير الخلق ، لو دعا مع الله غيره ، لكان من الظالمين المشركين فكيف بغيره ؟ ! !
يقول تعالى لرسوله محمد ، صلوات الله وسلامه عليه : قل : يا أيها الناس إن كنتم في شك من صحة ما جئتكم من الدين الحنيف ، الذي أوحاه الله إلي ، فها أنا لا أعبد الذين تعبدون من دون الله ، ولكن أعبد الله وحده لا شريك له ، وهو الذي يتوفاكم كما أحياكم ، ثم إليه مرجعكم ؛ فإن كانت آلهتكم التي تدعون من دون الله{[14446]} حقا ، فأنا لا أعبدها{[14447]} فادعوها فلتضرني ، فإنها لا تضر ولا تنفع ، وإنما الذي بيده الضر والنفع هو الله وحده لا شريك له ، وأمرت أن أكون من المؤمنين .
عطف على { ولا تكونن من المشركين } [ يونس : 105 ] . ولم يؤكد الفعل بنون التوكيد ؛ لئلا يمنع وجودها من حذف حرف العلة بأن حذفه تخفيف وفصاحة ، ولأن النهي لما اقترن بما يومىء إلى التعليل كان فيه غنية عن تأكيده لأن الموصول في قوله : { ما لا يَنفعك ولا يضرك } يومىء إلى وجه النهي عن دعائك ، إذ دعاء أمثالها لا يقصده العاقل .
و { من دون الله } اعتراض بين فعل { تدع } ومفعوله ، وهو إدماج للحث على دعائه الله .
وتفريع { فإن فعلت } على النهيين للإشارة إلى أنه لا معذرة لمن يأتي ما نهي عنه بعد أن أكد نهيه وبينت علته ، فمن فعله فقد ظلم نفسه واعتدى على حق ربه .
وأكّد الكون من الظالمين على ذلك التقدير ب ( إنّ ) لزيادة التحذير ، وأُتي ب ( إذن ) للإشارة إلى سؤال مقدر كأن سائلاً سأل : فإن فعلت فماذا يكون ؟ .
وفي قوله : { من الظالمين } من تأكيدٍ مثل ما تقدم في قوله : { من المشركين } [ يونس : 105 ] ونظائره .
والمقصود من هذا الفرض تنبيه الناس على فظاعة عظم هذا الفعل حتى لو فعله أشرف المخلوقين لكان من الظالمين ، على حد قوله تعالى : { ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك } [ الزمر : 65 ] .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ولا تدع من دون الله}، يعني ولا تعبد مع الله إلها غيره،
{ما لا ينفعك}، يقول: ما إن احتجت إليه لم ينفعك،
{ولا يضرك} يعني فإن تركت عبادته في الدنيا لا يضرك وإن لم تعبده،
{فإن فعلت} فعبدت غير الله {فإنك إذا من الظالمين} يعنى من المشركين.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: ولا تدع يا محمد من دون معبودك وخالقك شيئا لا ينفعك في الدنيا ولا في الآخرة، ولا يضرّك في دين ولا دنيا، يعني بذلك الآلهة والأصنام، يقول: لا تعبدها راجيا نفعها أو خائفا ضرّها، فإنها لا تنفع ولا تضرّ، فإن فعلت ذلك فدعوتها من دون الله "فإنّكَ إذا مِنَ الظّالِمِينَ "يقول: من المشركين بالله، الظالم لنفسه.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
استعانة الخْلق بالخَلْق تمحيقٌ للوقتِ بلا طائلٍ؛ فَمَنْ لا يَمْلكُ لِنَفْسِه ضَرَّاً ولا نَفْعَاً كيف يستعين به مَنْ هو في مثل حاله؟ وإذا انضاف الضعيفُ إلى الضعيف ازدادَ الضعفُ...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
قوله {ولا تدع} معناه قيل لي: {ولا تدع} فهو عطف على {أقم}، وهذا الأمر والمخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم إذا كانت هكذا فأحرى أن يتحرز من ذلك غيره، وما لا ينفع ولا يضر هو الأصنام والأوثان، والظالم الذي يضع الشيء في غير موضعه.
... {فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين} يعني لو اشتغلت بطلب المنفعة والمضرة من غير الله فأنت من الظالمين، لأن الظلم عبارة عن وضع الشيء في غير موضعه، فإذا كان ما سوى الحق معزولا عن التصرف، كانت إضافة التصرف إلى ما سوى الحق وضعا للشيء في غير موضعه فيكون ظلما.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما نهاه عن الشرك، أكده بما هو كالتعليل له بما يلزمه من العبث بالخضوع لما لا ضر فيه ولا نفع بقوله تعالى: {ولا تدع} أي في رتبة من الرتب الكائنة {من دون الله} أي الذي بيده كل شيء {ما لا ينفعك} أي إن فعلت شيئاً من ذلك فأتاك بأسنا {ولا يضرك} أي إن أقمت على طاعتنا مع نصرنا {فإن فعلت} أي شيئاً مما نهيناك عنه {فإنك إذاً} إذا دعوت ذلك الغير بسبب ذلك {من الظالمين} أي العريقين في وضع الدعوة في غير محلها لأن ما هو كذلك في غاية البعد عن منصب الإلهية.
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
{ولاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ ولاَ يَضُرُّكَ} أي ولا تدع غيره تعالى (دعاء عبادة- وهو ما فيه معنى القربة والجري على غير المعتاد في طلب الناس بعضهم من بعض، لا على سبيل الاستقلال، ولا على سبيل الاشتراك بوساطة الشفعاء -ما لا ينفعك إن دعوته- لا بنفسه، ولا بوساطته- ولا يضرك إن تركت دعاءه ولا إن دعوت غيره.
{فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ} أي فإن فعلت هذا بأن دعوت غيره فإنك أيها الفاعل في هذه الحال من طغامة الظالمين لأنفسهم الظلم الأكبر، وهو الشرك الذي فسر به النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {إن الشرك لظلم عظيم} [لقمان: 13]، فإنه لما كان دعاء الله وحده هو أعظم العبادة ومخها كما ورد في الحديث كان دعاء غيره هو معظم الشرك ومخه، كما كررنا التصريح به بتكرار تفسير الآيات الناهية عنه، ومنها في هذه السورة قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ ولاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ} [يونس: 18] وقوله: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا ولاَ نَفْعًا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ} [يونس: 49] وقوله قبلهما {وإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا} [يونس: 12] وقوله في أهل الفلك (السفينة) المشركين عند إحاطة الخطر بهم {دعوا الله مخلصين له الدين} [يونس: 22].
والآيات في هذا المعنى كثيرة متفرقة في السور، كررت لأجل انتزاع هذا الشرك الأكبر من قلوب الجمهور الأكبر، وقد انتزع من قلوب الذين أخذوا دينهم من القرآن، وكان جل عبادتهم تكرار تلاوته بالغدو والآصال، والليل والنهار، ثم عاد بقضه وقضيضه إلى الذين هجروا تدبر القرآن وهم يدعون الإسلام...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
وهذا وصف لكل مخلوق، أنه لا ينفع ولا يضر، وإنما النافع الضار، هو الله تعالى... فإذا كان خير الخلق، لو دعا مع الله غيره، لكان من الظالمين المشركين فكيف بغيره؟!!...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والمقصود من هذا الفرض تنبيه الناس على فظاعة عظم هذا الفعل حتى لو فعله أشرف المخلوقين لكان من الظالمين، على حد قوله تعالى: {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك} [الزمر: 65].
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
تدع} الدعاء هنا العبادة والضراعة...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
وبعد الإِشارة إِلى بطلان الشريك بالدليل الفطري، تشير إلى دليل عقلي واضح، فتقول: (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرّك فإِن فعلت فإِنّك إِذاً من الظالمين) إِذ تكون قد ظلمت نفسك ومجتمعك الذي تعيش فيه...