فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَا تَدۡعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَۖ فَإِن فَعَلۡتَ فَإِنَّكَ إِذٗا مِّنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (106)

{ ولا تدع من دون الله } على حال من الأحوال { مالا ينفعك ولا يضرك } بشيء من النفع والضر إن دعوته ، ودعاء من كان هكذا لا يجلب نفعا ولا يقدر على ضر ، ضائع لا يفعله عاقل على تقدير أنه لا يوجد من يقدر على النفع والضر غيره فكيف إذا كان موجودا فإن العدول عن دعاء القادر إلى دعاء غير القادر أقبح وأقبح .

{ فإن فعلت } أي فإن دعوت ولكنه كنى عن القول بالفعل ، { فإنك إذا من الظالمين } هذا جزاء الشرط ، أي فإنك في عداد الظالمين لأنفسهم والمقصود من هذا الخطاب التعريض لغيره صلى الله عليه وسلم .

{ و } جملة { إن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو } مقررة لمضمون ما قبلها والمعنى أن الله سبحانه هو الضار النافع فإن أنزل بعبده ضرا يستطيع أحد أن يكشفه كائنا من كان بل هو المختص بكشفه كما هو اختص بإنزاله .

{ وإن يردك بخير } أي خير كان لم يستطع أحد أن يدفعه عنك ويحول بينك وبينه كائنا من كان ، هو من القلب وأصله إن يرد بك الخير ، ولكن لما تعلق كل واحد منهما بالآخر جاز أن يكون كل واحد منهما مكان الآخر .

قال النيسابوري : وفي تخصيص الإرادة بجانب الخير والمس بجانب الشر دليل على أن الخير يصدر عنه سبحانه بالذات والشر بالعرض .

قلت : وفي هذا نظر فإن المس هو أمر وراء الإرادة فهو مستلزم لها ، وقيل إن الضر إنما مسهم لا بالقصد الأول والمعنى متقارب .

{ فلا رد لفضله } أي لا دافع لما أرادك به من الخير ووضع الفضل موضع الضمير للدلالة على أنه متفضل بما يريد بهم من الخير لا استحقاق لهم عليه ، ولم يستثن لأن مراد الله تعالى لا يمكن رده وإرادة الله قديمة لا تتغير بخلاف مس الضر فإنه صفة فعل .

{ يصيب به } أي بفضله أو بكل واحد من الخير والضر { من يشاء من عباده } وجملة { وهو الغفور الرحيم } تذييلية .