( إن لدينا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما ) . .
والأنكال - هي القيود - والجحيم والطعام ذو الغصة الذي يمزق الحلوق والعذاب الأليم . . كلها جزاء مناسب ( لأولي النعمة ) ! الذين لم يرعوا النعمة ، ولم يشكروا المنعم ، فاصبر يا محمد عليهم صبرا جميلا وخل بيني وبينهم . ودعهم فإن عندنا قيودا تنكل بهم وتؤذيهم ، وجحيما تجحمهم وتصليهم ، وطعاما تلازمه الغصة في الحلق ، وعذابا أليما في يوم مخيف . . .
وقوله : إنّ لَدَيْنا أنْكالاً وجَحِيما يقول تعالى ذكره : إن عندنا لهؤلاء المكذّبينّ بآياتنا أنكالاً ، يعني قيودا ، واحدها : نِكْل . وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر ، عن أبيه ، عن أبي عمرو ، عن عكرِمة ، أن الاَية التي قال : إنّ لَدَيْنا أنْكالاً وجَحِيما إنها قيود .
حدثني عبيد بن أسباط بن محمد ، قال حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن أبي عمرو ، عن عكرِمة إنّ لَدَيْنا أنْكالاً قال : قُيودا .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى وعبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا أبو عمرو ، عن عكرمة أَنْكالاً قال : قيودا .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي عمرو ، عن عكرمة إنّ لَدَيْنا أنْكالاً قال : قيودا .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، قال : وبلغني عن مجاهد قال : الأنكال : القيود .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا ابن المبارك ، عن سفيان ، عن حماد ، قال : الأنكال : القيود .
حدثني محمد بن عيسى الدامغاني ، قال : حدثنا ابن المبارك ، عن سفيان ، عن حماد ، مثله .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، قال : سمعت حمادا يقول : الأنكال القيود .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة إنّ لَدَيْنا أنْكالاً : أي قيودا .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن مبارك ، عن الحسن ، عن سفيان ، عن أبي عمرو بن العاص ، عن عكرِمة إنّ لَدَيْنا أنْكالاً قال : قيودا .
حدثنا أبو عبيد الوَصّابي محمد بن حفص ، قال : حدثنا ابن حِمْيَر ، قال : حدثنا الثوريّ ، عن حماد ، في قوله إنّ لَدَيْنا أنْكالاً وَجَحِيما قال : الأنكال : القيود .
حدثنا سعيد بن عنبسة الرازي ، قال : مررت بابن السماك ، وهو يَقُصّ وهو يقول : سمعت الثوري يقول : سمعت حمادا يقول في قوله الله : إنّ لَدَيْنا أنْكالاً قال : قيودا سوداء من نار جهنم .
وقوله : وَجَحِيما يقول : ونارا تسعر وَطَعاما ذَا غُصّةٍ يقول : وطعاما يَغَصّ به آكله ، فلا هو نازل عن حلقه ، ولا هو خارج منه ، كما :
حدثني إسحاق بن وهب وابن سنان القزّاز قالا : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا شبيب بن بشر ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس ، في قوله : وَطَعاما ذَا غُصّةٍ قال : شوك يأخذ بالحلق ، فلا يدخل ولا يخرج .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَطَعاما ذَا غُصّةٍ قال : شجرة الزقوم .
وقوله : وَعَذَابا ألِيما يقول : وعذابا مؤلما موجعا .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن حمزة الزيات ، عن حُمْران بن أعين أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ : إنّ لَدَيْنا أنْكالاً وَجَحِيما وَطَعاما ذَا غُصّةٍ فصعق صلى الله عليه وسلم .
وهذا تعليل لجملة { وذرني والمكذبين } [ المزمل : 11 ] ، أي لأن لدينا ما هو أشد عليهم من ردِّك عليهم ، وهذا التعليل أفاد تهديدهم بأن هذه النقم أعدت لهم لأنها لما كانت من خزائن نقمة الله تعالى كانت بحيث يضعها الله في المواضع المستأهلة لها ، وهم الذين بدّلوا نعمة الله كفراً ، فأعد الله لهم ما يكون عليهم في الحياة الأبدية ضداً لأصول النَّعمة التي خُوِّلوها ، فبطِروا بها وقابلوا المنعِم بالكفران .
فالأنكال مقابل كفرانهم بنعمة الصحة والمقدرة لأن الأنكال القيود . والجحيم : وهو نار جهنم مقابل ما كانوا عليه من لذة الاستظلال والتبرد . والطعام : ذو الغُصة مقابل ما كانوا منهمكين فيه من أطعمتهم الهنيئة من الثمرات والمطبوخات والصيد . والأنكال : جمع نِكْل بفتح النون وبكسرها وبسكون الكاف . وهو القيد الثقيل .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
فالأنكال عقوبة من ألوان العذاب، ثم ذكر العقوبة، فقال: وجحيما، يعني ما عظم من النار.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
إن عندنا لهؤلاء المكذّبينّ بآياتنا" أنكالاً"، يعني قيودا...
وقوله: "وَجَحِيما": ونارا تسعر.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{إِنَّ لدينا} ما يضاد تنعمهم من أنكال: وهي القيود الثقال، عن الشعبي. إذا ارتفعوا استفلت بهم. ومن جحيم: وهي النار الشديدة الحر والاتقاد.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
و «الأنكال» جمع نكل، وهو القيد من الحديد.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان هذا منادياً بعذابهم، وكان وصفهم بالنعمة مفهماً لأنهم معتادون بالمآكل الطيبة، وكان منع اللذيذ من المآكل لمن اعتاده لا يبلغ في نكاية النفس بحد نكاية البدن إلاّ بعد تقدم إهانة، استأنف قوله بياناً لنوع ما أفهمه التهديد من مطلق العذاب، وأكد لأجل تكذيبهم: {إن} وأشار إلى شدة غرابته وجلالته وعظمته وخصوصيته وتحقق حضوره بقوله: {لدينا} دون عندنا ولما كان أشد ما على الإنسان منعه مما يريد من الانبساط به بالحركات، قال ذاكراً ما يضاد ما هم فيه من النعمة والعز: {أنكالاً} وهو القيد الثقيل الذي لا يفك أبداً إهانة لهم لا خوفاً من فرارهم، جزاء على تقييدهم أنفسهم بالشهوات عن اتباع الداعي، وإيساعهم في المشي في فضاء الأهوية. ولما كان ذلك محرقاً للباطن أتبعه حريق الظاهر فقال: {وجحيماً} أي ناراً حامية جداً شديدة الاتقاد بما كانوا يتقيدون به من تبريد الشراب، والتنعم برقيق اللباس والثياب، وتكلف أنواع الراحة.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وهذا تعليل لجملة {وذرني والمكذبين}، أي لأن لدينا ما هو أشد عليهم من ردِّك عليهم، وهذا التعليل أفاد تهديدهم بأن هذه النقم أعدت لهم لأنها لما كانت من خزائن نقمة الله تعالى، كانت بحيث يضعها الله في المواضع المستأهلة لها، وهم الذين بدّلوا نعمة الله كفراً، فأعد الله لهم ما يكون عليهم في الحياة الأبدية ضداً لأصول النَّعمة التي خُوِّلوها، فبطِروا بها وقابلوا المنعِم بالكفران.
فالأنكال مقابل كفرانهم بنعمة الصحة والمقدرة لأن الأنكال القيود.
والجحيم: وهو نار جهنم مقابل ما كانوا عليه من لذة الاستظلال والتبرد.
والطعام: ذو الغُصة مقابل ما كانوا منهمكين فيه من أطعمتهم الهنيئة من الثمرات والمطبوخات والصيد.