( رفع سمكها فسواها ) . . وسمك كل شيء قامته وارتفاعه . والسماء مرفوعة في تناسق وتماسك . وهذه هي التسوية : ( فسواها ) . . والنظرة المجردة والملاحظة العادية تشهد بهذا التناسق المطلق . والمعرفة بحقيقة القوانين التي تمسك بهذه الخلائق الهائلة وتنسق بين حركاتها وآثارها وتأثراتها ، توسع من معنى هذا التعبير ، وتزيد في مساحة هذه الحقيقة الهائلة ، التي لم يدرك الناس بعلومهم إلا أطرافا منها ، وقفوا تجاهها مبهورين ، تغمرهم الدهشة ، وتأخذهم الروعة ، ويعجزون عن تعليلها بغير افتراض قوة كبرى مدبرة مقدرة ، ولو لم يكونوا من المؤمنين بدين من الأديان إطلاقا !
وقوله : رَفَعَ سَمْكَها فَسَوّاها يقول تعالى ذكره : فسوّى السماء ، فلا شيء أرفع من شيء ، ولا شيء أخفض من شيء ، ولكن جميعها مستوي الارتفاع والامتداد . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : رَفَعَ سَمْكَها فَسَوّاها يقول : رفع بناءها فسوّاها .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : رَفَعَ سَمْكَها فَسَوّاها قال : رفع بناءها بغير عمد .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : رَفَعَ سَمْكَها يقول : بُنيانها .
وجملة { رفع سمكها فسواها } مبنية لجملة { بناها } أو بدل اشتمال منها وسلك طريق الإِجمال ثم التفصيل لزيادة التصوير .
والسّمْك : بفتح السين وسكون الميم : الرَّفع في الفضاء كما اقتصر عليه الراغب سواء اتصل المرفوع بالأرض أو لم يتصل بها وهو مصدر سَمَكَ .
والرَّفع : جعل جسم معتلياً وهو مرادف للسمْك فتعدية فعل { رفع } إلى « السمك » للمبالغة في الرفع ، أي رَفَعَ رفْعَهَا أي جَعله رفيعاً ، وهو من قبيل قولهم : لَيل ألْيَل ، وشِعر شاعر ، وظِل ظليل .
والتسوية : التعديل وعدم التفاوت ، وهي جعل الأشياء سواء ، أي متماثلة وأصلها أن تتعلق بأشياء وقد تتعلق باسم شيء واحد على معنى تعديل جهاته ونواحيه ومنه قوله هنا : { فسواها } ، أي عَدَّل أجزاءها وذلك بأن أتقن صنعها فلا ترى فيها تفاوتاً .
والفاء في { فسواها } للتعقيب .
وتسوية السماء حصلت مع حصول سمكها ، فالتعقيب فيه مثل التعقيب في قوله : { فنادى فقال أنا ربكم الأعلى } [ النازعات : 23 ، 24 ] .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
...عن مجاهد، قوله:"رَفَعَ سَمْكَها فَسَوّاها "قال: رفع بناءها بغير عمد.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{بناها} أي خلقها {رفع سمكها} سقفها {فسواها}... سواها على ما توجبه الحكمة، ويدل على الوحدانية...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{رَفَعَ سَمْكَهَا} أي جعل مقدار ذهابها في سمت العلو مديداً رفيعاً...
{فَسَوَّاهَا} فعدلها مستوية ملساء، ليس فيها تفاوت ولا فطور. أو فتممها بما علم أنها تتم به وأصلحها...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
و «السمك»: الارتفاع الذي بين سطح السماء الأسفل الذي يلينا وسطحها الأعلى الذي يلي ما فوقها...
{فسواها}... يحتمل أن يكون عبارة عن إتقان خلقها ولا يقصد معنى إملاس سطحها...
{رفع سمكها} صفة، فقد توالت صفتان لا تعلق لإحداهما بالأخرى، فكان يجب إدخال العاطف فيما بينهما، كما في قوله: {وأغطش ليلها} فلما لم يكن كذلك علمنا أن قوله: {بناها} صلة للسماء، ثم قال: {رفع سمكها} ابتداء بذكر صفته قوله تعالى: {فسواها}:... المراد تسوية تأليفها، وقيل: بل المراد نفي الشقوق عنها، كقوله: {ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت} والقائلون بالقول الأول قالوا: {فسواها} عام فلا يجوز تخصيصه بالتسوية في بعض الأشياء، ثم قال هذا يدل على كون السماء كرة، لأنه لو لم يكن كرة لكان بعض جوانبه سطحا، والبعض زاوية، والبعض خطا، ولكان بعض أجزائه أقرب إلينا، والبعض أبعد، فلا تكون التسوية الحقيقة حاصلة، فوجب أن يكون كرة حتى تكون التسوية الحقيقة حاصلة...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
{رَفَعَ سَمْكَهَا} أي: جرمها وصورتها، {فَسَوَّاهَا} بإحكام وإتقان يحير العقول، ويذهل الألباب،...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(فسواها).. والنظرة المجردة والملاحظة العادية تشهد بهذا التناسق المطلق. والمعرفة بحقيقة القوانين التي تمسك بهذه الخلائق الهائلة وتنسق بين حركاتها وآثارها وتأثراتها، توسع من معنى هذا التعبير، وتزيد في مساحة هذه الحقيقة الهائلة، التي لم يدرك الناس بعلومهم إلا أطرافا منها، وقفوا تجاهها مبهورين، تغمرهم الدهشة، وتأخذهم الروعة، ويعجزون عن تعليلها بغير افتراض قوة كبرى مدبرة مقدرة، ولو لم يكونوا من المؤمنين بدين من الأديان إطلاقا!...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والسّمْك: بفتح السين وسكون الميم: الرَّفع في الفضاء كما اقتصر عليه الراغب سواء اتصل المرفوع بالأرض أو لم يتصل بها وهو مصدر سَمَكَ. والرَّفع: جعل جسم معتلياً وهو مرادف للسمْك فتعدية فعل {رفع} إلى « السمك» للمبالغة في الرفع، أي رَفَعَ رفْعَهَا أي جَعله رفيعاً، وهو من قبيل قولهم: لَيل ألْيَل، وشِعر شاعر، وظِل ظليل...
والفاء في {فسواها} للتعقيب. وتسوية السماء حصلت مع حصول سمكها، فالتعقيب فيه مثل التعقيب في قوله: {فنادى فقال أنا ربكم الأعلى} [النازعات: 23، 24]...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{فَسَوَّاهَا} في استقامتها وتناسق أجزائها، بوضع كل جزءٍ في موضعه، على أساس التخطيط الإلهي الدقيق الذي قد لا يعرف الناس من طبيعته وتفصيله الكثير، لأنهم لا يملكون إلا المشاهدة البعيدة...