اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{رَفَعَ سَمۡكَهَا فَسَوَّىٰهَا} (28)

وقوله : «رَفَعَ سَمْكهَا » جملة مفسرة لكيفية البناء ، «والسَّمْك » : «الارتفاع » .

قال الزمخشريُّ{[59295]} : «جعل مقدار ذهابها في سمتِ العلوِّ مديداً رفيعاً » .

وسكمتُ الشيء : رفعته في الهواء ، وسمك هو ، أي : ارتفع سُمُوكاً ، فهو قاصرٌ ومتعدٍّ ، وبناء مسموك ، وسنامٌ سَامِكٌ تَامِكٌ ، أي : عالٍ مرتفعٌ ، وسماك البيت ما سمكته به ، والمسموكاتُ : السماوات ويقال : اسمك في الدّيم ، أي : اصعد في الدرجة ، والسماك : نجم معروف ، وهما اثنان ، رامح وأعزل ؛ قال الشاعر : [ الكامل ]

5099- إنَّ الذي سَمكَ السَّماءَ بَنَى لَنَا *** بَيْتاً دَعَائِمُهُ اعَزُّ وأطْوَلُ{[59296]}

وقال البغويُّ{[59297]} : «رفَعَ سمْكهَا » أي : سقفها .

فصل في الكلام على هذه الآية

قال الكسائيُّ والفراء والزجاج : هذا الكلام تم عند قوله تعالى : { أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السمآء بَنَاهَا } ، قال : لأنَّه من أصله السماء ، والتقدير : «أم السماء التي بناها » فحذف «التي » ، ومثل هذا الحذف جائز .

قال القفالُ{[59298]} : يقال : الرجل جاءك عاقل ، أي : الرجل الذي جاءك عاقل ، وإذا ثبت جواز ذلك في اللغة ، فنقول : الدَّليل على أن قوله تعالى : «بَنَاهَا » صلةٌ لما قبله ، أنَّه لو لم يكن صلة لكان صفة فقوله : «بَنَاهَا » صفة ، ثم قوله : «رَفَعَ سَمْكهَا » صفة ، فقد توالت صفتان ، لا تعلُّق لإحداهما بالأخرى ، فكان يجب إدخال العاطف بينهما ، كما في قوله : «وأغطَشَ ليْلهَا » ، ولمَّا لم يكن كذلك ، علمنا أنَّ قوله : «بَناهَا » صلةٌ للسَّماءِ ، فكان التقدير : «أم السَّماء التي بناهَا » ، وهذا يقتضي وجود سماءٍ ما بَنَاهَا اللهُ ، وذلك باطل .

وقوله : { فَسَوَّاهَا } أي : خَلقهَا خَلْقاً مستوياً ، لا تفاوت فيه ، ولا فطور ، ولا شقوق .

فصل فيمن استدل بالآية على أن السماء كرة

قال ابن الخطيب{[59299]} : واستدلُّوا بهذه الآية على كونِ السَّماء كُرةً ، قالوا : لأنه لو لم تكن كرةً لكان بعضُ جوانبها سطحاً ، والبعض زاويةً والبعضُ خطًّا ، ولكان بعض أجزائه اقرب إلينا ، والبعض الآخر أبعد ، فلا تحصل التَّسويةُ الحقيقية ، ثُمَّ قالوا : لما ثبت أنَّها محدثةٌ مُفتقِرةٌ إلى فاعل مختار ، فأيُّ ضررٍ في الدِّين يُنافِي كونها كرة .


[59295]:ينظر: الكشاف 4/696.
[59296]:تقدم.
[59297]:معالم التنزيل 4/445.
[59298]:ينظر: الفخر الرازي 31/41.
[59299]:السابق 31/34.